من ينظر إلى السرعة التي تطرح بها الحكومة القوانين المتعلقة بالسرّية المصرفية وقانون اعادة هيكلة المصارف، يتساءل لماذا كلّ هذا الإستعجال وقد مضى كلّ هذا الوقت وهُرِّب ما هُرِّب من الأموال إلى الخارج وودائع الناس محجوزة في المصارف... ما سبب هذه "الصحوة"؟ فهل فعلاً هناك نيّة بالتقدّم خطوات في هذا الملف بإتجاه اصلاح القطاع المصرفي وإعادة أموال الناس؟.
الجواب يأتيك فوراً وعلى لسان معنيين إنه "الاتفاق مع صندوق النقد الدولي"، وهو أحد أبرز الأسباب بإتجاه القيام بهذه الحركة، خصوصاً وأنه وفي الـ21 من الجاري ستعقد إجتماعات في واشنطن مع صندوق النقد الدولي، ومطلبه الأساس، كما جاء على لسان وزير المالية ياسين جابر، هو اقرار القوانين المتعلقة بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وقانون تعديل السريّة المصرفية. فلماذا هذين القانونين بالتحديد؟.
تشرح مصادر مطلعة أن "التركيز من قبل صندوق النقد عليهما لعدة اسباب، أولها على صعيد اقرار قانون تعديل السرّية المصرفية، لأنه وعلى ضوء القانون الحالي لا يُمكن القيام بالتدقيق بحسابات المصارف أو حساب مصرف لبنان، نظراً إلى عدم إمكانية النفاذ إلى المعلومات المطلوبة، خصوصاً وأن هناك سريّة تمنع الوصول إليها في مجال مسؤولية المصارف في موضوع الودائع، كما يجب ازالة القيود المفروضة على الأسماء لكي يتمكن المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف من طلب المعلومات اللازمة". وتضيف المصادر: "أيضاً هناك خطوة التدقيق بالمعلومات وحتى يحصل ذلك يجب أن يكون هناك إمكانية الوصول إليها قبل ذلك، وفي اعادة هيكلة المصارف إذا كان لدينا شركة لتدقيق المعلومات وهي بحاجة إلى هذا الامر، يجب أن يتمكن المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف من تقاسم هذه المعلومات".
"هناك أيضاً قانون حلّ المصارف". هذا ما تؤكده المصادر، التي تلفت إلى أن "هذا القانون إجرائي يشرح الخطوات التي تهدف إلى إعادة هيكلة المصارف، وإذا كنّا نريد إعادة هيكلة القطاع علينا تطبيق القانون، والحالي منه لا يسمح بتصفية المصارف أو دمجها مع بعضها البعض، والخسائر في البنوك يجب أن يتحمّلها المساهمون قبل المودعون، لا سيما وأنه متى كان هناك أرباح كان يأخذها المساهمون، فلماذا يأتون اليوم لتحميل الخسائر للمودعين".
وتشدّد المصادر على أنه لاعادة الهيكلة يجب وجب ايجاد خطّة لإعادة الودائع والقيام بإصلاحات ضريبيّة على مستوى الدين والحوكمة، وتشير إلى أنه "من الامور التي يطالب بها صندوق النقد أن يكون لدى الدولة اللبنانية، ممثلة بالحكومة، استراتيجية بالنسبة للمودعين والمصارف، وأن تتحدث بكيفية تطبيقها في الاجتماعات التي ستعقد في واشنطن لاحقاً".
اليوم وضعت القوانين على الطاولة وابرزها قانون تعديل السرية المصرفية واصلاح الوضع المصرفي. وتلفت مصادر مطلعة إلى أن "القانون المتعلق بأوضاع المصارف ليس واضحاً، وهو يأتي ليقول إن البنوك لا تريد تطبيق الدمج، وهو أيضاً لا يوضح كيف ستحصل هذه العملية، وبالتالي ما سعت الحكومة للقيام به في هذا القانون هو مجرد "ألاعيب" وربط الأمور بأزمة، وبالتالي لم يعد مفهوماً إذا كان هذا القانون هو لتصفية أو إعادة والودائع أو غيرهما..."، وتضيف المصادر: "القانون يعطي صلاحيات للهيئة العليا للمصارف لتضع يدها على البنوك كما واعادة تفعيل دور المحكمة الخاصة المصرفية للبت بالنزاعات بوضع المصارف".
اضافة إلى ذلك، تلفت المصادر إلى أن "صندوق النقد الدولي كان قد طالب بتقييم لوضع 14 مصرفاً في لبنان، فهل هناك تصوّر لتلك المتعثّرة؟ وهل قامت الحكومة والدولة، وقبل وضع القانون، بالتقييم المطلوب منها لتلك المصارف، لتقول إن القادم هو مطابق مع أي مصارف؟ أيضاً ميزانيات المصارف على أي سعر صرف سيصار تقييمها".
إذاً، الواضح أن القوانين التي تطرح لن تتضمن الحلول للمشاكل الموجودة، أبرزها اموال المودعين ولا حتى اعادة هيكلة المصارف، والأكيد أن ما تقوم به الحكومة لتلبية مطالب صندوق النقد لن يصل إلى خواتيمه المرجوّة، والأهمّ أنها لن تتمكن من حمل استراتيجيات حلول إلى اجتماعاتها مع صندوق النقد، هي تطرح قوانين اصلاحية في الشكل ولكن المضمون لا يزال على حاله...