مباشرة، بعد إنتهاء زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، خرجت مواقف واضحة عن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون تتناول المسألة الأهم، أي مصير سلاح "حزب الله"، حيث أكد أن الأمر يتطلب اللجوء إلى الحوار، كاشفاً عن البدء قريباً في صياغة استراتيجية للأمن الوطني، مذكراً بأن الإصلاحات وسحب السلاح هما مطلبان لبنانيان، كما هما مطلبان للمجتمع الدولي والولايات المتحدة، ولبنان ملتزم من أجل تحقيقهما.

في مقابل هذه المواقف، يبدو أن العديد من القوى والشخصيات، من الجانبين المؤيد والمعارض لـ"حزب الله"، تُصر على إعتماد إسلوب "البَهْوَرَة" في التعاطي مع هذا الملف، متجاهلة كل المعطيات المحيطة به، في حين أن منطقة الشرق الأوسط تعيش، منذ السابع من تشرين الأول من العام 2023، على وقع تحولات كبرى.

في هذا السياق، تذهب أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى وصف طريقة تعامل رئيس الجمهورية مع هذا الملف بـ"العقلانية"، من خلال الموازنة بين ما يُطرح من قبل مجموعة واسعة من القوى الدولية والإقليمية، وبين الوقائع الداخلية التي لا يمكن تجاهلها بأي شكل من الأشكال، خصوصاً أن الذهاب إلى أي موقف أو خطوة، غير محسوبة النتائج، من الممكن أن يكون له تداعيات خطيرة على الواقع الداخلي.

بالنسبة إلى هذه الأوساط، رغم كل الحملات التي تُشن على رئيس الجمهورية، بين الحين والآخر، يبدو أن عون مُصر على الطريقة نفسها في التعامل مع هذا الملف، بعيداً عن "البهورات" التي يلجأ إليها البعض في الداخل، من منطلق السعي إلى تسجيل النقاط أو الكسب الشعبي، حيث تشدد على أن ملف من هذا النوع لا يمكن أن يعالج بهذه الطريقة.

في هذا الإطار، العنوان الأبرز، الذي من المفترض الإنطلاق منه، عدم تجاهل التطورات التي فرضت نفسها، في الأشهر الماضية، تحديداً النتائج العسكرية التي برزت بعد العدوان على لبنان وسقوط النظام السوري السابق، بالتزامن مع إستمرار الإعتداءات اليومية وعدم خروج الجيش الإسرائيلي من كافة الأراضي اللبنانية، التي تأتي على وقع الضغوط الكبرى التي تربط المساعدات بنزع السلاح، سواء كانت من الولايات المتحدة أو بعض الدول العربية.

في هذا المجال، تلفت مصادر نيابية، عبر "النشرة"، إلى أنه في الماضي كان الطابع الإقليمي هو الطاغي على مقاربة هذا الملف، على عكس ما هو الحال اليوم، بعد التداعيات التي فرضت نفسها نتيجة العدوان الإسرائيلي، خصوصاً أن دخول "حزب الله"، من خلال جبهة إسناد غزة، كان دون أي غطاء داخلي، بالإضافة إلى تلقيه مجموعة واسعة من الضربات العسكرية، أبرزها إغتيال أمينه العام السابق السيد حسن نصرالله، من ضمن سياق عام يؤكد تراجع المحور برمته على مستوى المنطقة.

على الرغم من ذلك، تشدد هذه المصادر على أن كل ذلك لا يعني نهاية الحزب عسكرياً، لكنه في المقابل لا يعني أيضاً أنه لا يزال بالقوة نفسها التي كان عليها، لا بل من الممكن طرح الكثير من علامات الإستفهام، رغم ما يصدر عن بعض الأوساط المقربة منه، حول قدرته على إعادة ترميم ما خسره في المرحلة المقبلة، خصوصاً إذا ما قررت طهران، بناء على مجمل التطورات، الذهاب إلى التعاطي الإيجابي، مع ما يُطرح عليها خلال المفاوضات مع الجانب الأميركي.

في مطلق الأحوال، تعود المصادر نفسها إلى التركيز على الطابع الداخلي الأكبر لهذا الملف، في المرحلة الراهنة، الذي يتم التعبير عنه، في بعض الأحيان، من خلال الحديث عن الأولويات، أي وقف إطلاق النار والإنسحاب الإسرائيلي، ثم الذهاب إلى الحوار مع الحزب، بغض النظر عن شكل هذا الحوار، حيث ترى أن رئيس الجمهورية هو الأكثر قدرة على التعامل مع هذا الواقع، بعيداً عن "البهورات" أو "الأوهام" التي يتعامل من خلالها البعض، من دون تجاهل تأثير نتائج المفاوضات الأميركية الإيرانية.