فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجميع، حين أعلن أمام الجميع أنه سيبدأ بالمفاوضات مع ايران يوم السبت المقبل، الخبر ورُغم أهميته لم يكن مدعاة للسرور، بالنسبة لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي كان يعوّل على أن تذهب الولايات المتحدة بإتجاه الخيار العسكري نحو إيران، لا بل أكثر من ذلك هو عوّل على أن تنتهي قصة السلاح النووي على الطريقة الليبية في العام 2003، حين تم تفكيك قدرات ليبيا النووية بالكامل.

أحلام وآمال نتانياهو كلّها تبخّرت، فالرجل لم يكن "ممنوناً" كثيراً من الذي سمعه من ترامب، وإكتشف أنه على المدى القصير أقله ليس مطروحاً الخيار العسكري مع إيران لعدة أسباب، أبرزها، بحسب استاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتورة نقولا، إنهيار البورصات بعد رفع ترامب الرسوم الجمركية. وترى أن "أي ضربة توجه لايران في الوقت الراهن، ستؤدي حتماً إلى إنهيار الأسواق والرئيس الاميركي حاليا ليس بهذا الوارد، إضافة إلى ذلك هناك أسعار النفط الّتي حتماً سترتفع بشكل كبير الاسعار في حال التدخّل العسكري".

في حديث ترامب حول المفاوضات مع إيران، لم يضع شروطاً تعجيزية بل إقتصر كلامه على منع طهران من إمتلاك السلاح، وتشير الدكتورة نقولا إلى أنه "لم يأت على ذكر السلاح التقليدي والصواريخ"، معتبراً أن "إحدى الملفات التي تم التفاوض عليها سابقاً هو نفوذ إيران بالمنطقة وهو لم يعد ملحّاً، لأن نفوذها ضَعُف نتيجة سقوط النظام في سوريا والحرب الاسرائيلية على لبنان، في حين يبقى فقط موضوع اليمن"، وتضيف: "يبقى فقط الشروط التي لم تقال على العلن وهي اقتصادية، وبالتالي أن تكون الافضلية للشركات الاميركية بالاستثمار في الجمهورية الاسلامية خصوصا وأن لديها مواد أولية وبنى تحتية".

كلّ هذا الكلام يأخذنا الى السؤال الأبرز: ما هي الاستثمارات التي يُمكن أن تستفيد منها الولايات المتحدة الأميركية في إيران؟. ببساطة يأتي الجواب على لسان الخبير الاقتصادي ميشال فياض، والذي عمل مستشاراً لكبريات الشركات في العالم ومنها شركة بولوري التي أرادت الاستثمار في الموانئ الإيرانية وتشغيلها، وكذلك كمستشار لشركة جيندال التي أرادت تقديم خدمات الحفر البحري لإنتاج النفط في الحقول البحرية الإيرانية، ويشير إلى أن "طهران تعتزم شراء طائرات لتجديد أسطولها الجوّي وترامب يريد بيعهم طائرات بوينغ، بينما تريد أوروبا بيعهم طائرات إيرباص، إضافة الى ذلك فهي تحتاج إلى 400 مليار دولار من الاستثمارات لتطوير قطاع النفط والغاز، وتمتلك كمية كبيرة من المعادن الاستراتيجية التي يسعى ترامب للحصول عليها، وبالتالي فإن الحرب ضد طهران ستكون معقدة بالنسبة للولايات المتحدة وستكون عواقبها غير متوقعة، لأنها قادرة على إغلاق مضيق هرمز، واستخدام "حزب الله" في لبنان والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله "الحوثيين" في اليمن وغيرهم، لضرب المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة".

منذ شهر تشن الولايات المتحدة هجمات على جماعة أنصار الله "الحوثيين" في اليمن دون أن تنجح في إجبارهم على الاستسلام. فكيف سيتمكن ترامب من أن يجعل إيران تنحني؟ حتماً سوف يتطلب الأمر حربًا فائقة القوة. بينما يرى فياض أنه "بالتفاوض تستطيع طهران أن تدعو الشركات الأميركية للقدوم وتطوير حقل بارس الجنوبي، وهو الجزء الشمالي من حقل الغاز الذي تتقاسمه إيران مع قطر، والتي تصدر 77 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً"، مضيفا: "بوينغ تواجه الكثير من المشاكل وبيع 100 طائرة للجمهورية الاسلامية من شأنه أن ينقذ الشركة، أيضاً تتمتع الأخيرة بكميات كبيرة من الزنك والنحاس والحديد والألمنيوم والرصاص واليورانيوم، ولكن لديها أيضًا الذهب وكل هذه المعادن تهم الولايات المتحدة، كذلك تمتلك احتياطيات من المعادن النادرة وترامب يريد الحصول على احتياطيات أوكرانيا من المعادن النادرة".

ويضيف فياض: "تملك إيران رابع أكبر احتياطيات النفط في العالم وأول أو ثاني أكبر احتياطيات الغاز كذلك، وهي تحتاج إلى الاستثمار الأجنبي لزيادة إنتاجها من النفط والغاز، وقد ساعدت العقوبات الاقتصادية الأميركية على روسيا وإيران الاقتصاد الصيني بشكل كبير، حيث استفادت بكين من الحسومات التي عرضتها روسيا وإيران على نفطهما في وقت تريد الولايات المتحدة إضعاف الصين"، مشيراً إلى أن "السلام مع روسيا وإيران من شأنه أن يؤدّي إلى رفع العقوبات المفروضة على هاتين الدولتين، مما يعني أنهما لن تبيعا نفطهما بأسعار منخفضة للصينيين".

إذاً، كثيرة هي المصالح المشتركة التي يمكن أن تؤدّي الى إتفاق بين الولايات المتّحدة وإيران، وترامب يستعمل القوّة لفرض شروطه لا لشن هجوم على طهران، وحتى الساعة الفرصة متاحة للاتفاق إلا إذ استطاع "اللوبي اليهودي" في الولايات المتحدة وبعض من في الادارة الاميركية أن يضعوا شروطاً تعجيزية لا تقبل بها إيران...