أكد وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي أن "لبنان أبلغ بوضوح بأن لا إعادة إعمار ومساعدات دولية قبل حصرية السلاح شمال الليطاني وجنوبه"، لافتا إلى أن "آخر من أبلغ هذا الموقف للبنان الرسمي هي المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس التي زارت بيروت نهاية الأسبوع الماضي، والتقت قسما كبيرا من المسؤولين اللبنانيين".

واوضح رجي في حديث إلى "الشرق الأوسط"، "إن المبعوثة الأميركية تحدثت عن أن لدى لبنان حاليا نافذة مفتوحة، بحيث أن الإدارة الأميركية تريد مساعدته لتحرير أرضه وإعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد، لكن هناك في المقابل ما هو مطلوب منا، سواء لجهة الإصلاحات الاقتصادية، وهذا مطلب دولي وعربي خليجي وحتى لبناني، أو لجهة حصرية السلاح، إذ يريد المجتمع الدولي أن تبسط الدولة اللبنانية سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية وليس فقط جنوبي الليطاني، وقد أبلغنا بذلك بشكل واضح من المبعوثة الأميركية، كما من مسؤولين دوليين آخرين، وهذا أصلا منصوص عليه في الدستور اللبناني". أضاف: "كما أن لا دولة في العالم يفترض أن تقبل بأن يكون هناك سلاح خارج إطار مؤسساتها، وبالتالي كما هو مطلب دولي، فكذلك هو مطلب لبناني، وعبرنا عن ذلك بوضوح في البيان الوزاري وخطاب القسم".

ونفى رجي "أن تكون أورتاغوس قد تحدثت عن رزنامة زمنية لإنجاز حصرية السلاح"، موضحاً أنها قالت إن "ذلك يُفترض أن يحصل في أسرع وقت ممكن"، وقال: "هي رأت أن ما يحصل في هذا المجال جيد لكنه غير كاف، إذ يريدون خطوات أكبر وأسرع". وتابع: "في خصوص موضوع الآلية التي ستعتمد للوصول إلى حصرية السلاح، فهناك مبدأ عام يقول إن الدولة لا تفاوض على سيادتها الداخلية. ولذلك، يفترض أن يكون هناك موقف واضح من الحكومة، ونجد طريقة وآلية لحصر السلاح بيد الدولة".

وعن موضوع لجان التفاوض مع إسرائيل، قال رجي: "إن الإسرائيليين والأميركيين كانوا يطالبون بإنشاء 3 لجان للتفاوض في موضوع النقاط الخمس المحتلة، والأسرى والنقاط المتنازع عليها، لكننا أبلغناهم بأن التفاوض في النقطتين الأوليين غير مطروح، فليس هناك ما نفاوض في خصوصه. نحن لا نحتل أراضي ولا نحتجز أسرى إسرائيليين. وبالتالي، يفترض على إسرائيل الانسحاب الفوري وغير المشروط من النقاط الخمس، والإفراج عن الأسرى من دون تفاوض. ما نقبل به هو التفاوض حول ترسيم الحدود، فهذا موضوع تقني معقّد". أضاف: "كانت هناك فكرة قبل نحو أسبوعين في خصوص أن تكون اللجان المقترحة مدنية، لكن لم يجر التداول بالموضوع مرة أخرى، وأورتاغوس لم تطرحه، أقله معي".

وعن العمل الذي يقوم به لبنان الرسمي ووزارة الخارجية لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، قال: "هناك عمل يومي في هذا المجال، فنحن نطالب كل الدول بأن تضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، هذا يسقط أي حجج أو مبررات يقدمها حزب الله للتمسك بسلاحه، ويقوي موقف الدولة اللبنانية التي تصر على تحرير أرضها بالدبلوماسية، لكن حتى الساعة الإسرائيليون يرفضون التجاوب ويتحدثون عن اعتبارات أمنية". أضاف: "نجاح العمل الدبلوماسي كان سيصبح أضمن وأسرع لو كنا نمتلك كدولة قوة عسكرية وقوة اقتصادية، لكننا نفتقر إلى الاثنتين، وكل ما نمتلكه صداقة الدول لمساعدتنا في هذا المجال".

واستغرب وزير الخارجية "ربط البعض سحب سلاح حزب الله، بسحب السلاح الفلسطيني أولا من داخل المخيمات وخارجها"، وسأل: "ما علاقة سحب سلاح حزب الله بالسلاح الفلسطيني الذي يفترض من دون أدنى شك تسليم ما تبقى منه؟ لكن هل سلاح الحزب موجود لمواجهة السلاح الفلسطيني؟ ما دامت المعادلة ليست كذلك، فلا يفترض وضع شروط في هذا المجال في خصوص الأولويات، فما نريده أن يكون سلاح الجيش اللبناني حصرا هو الذي يحمينا كلبنانيين، أيا كانت التهديدات المقبلة".

وعن موضوع الإصلاحات المالية والاقتصادية، قال رجي: "الحكومة بقيادة نواف سلَام تقوم بعمل كبير وممتاز وسريع، ولكن الأزمة عميقة ولا تحل في أسبوعين. المجتمع الدولي يدرك ذلك، لكنه يشدد على أن الوقت لتنفيذ كامل الإصلاحات غير مفتوح ويفترض الاستعجال".

وعن المفاوضات الأميركية - الإيرانية وكيفية انعكاسها على لبنان، قال: "من غير الواضح بعد إلى أين يمكن أن تصل هذه المفاوضات. ما نعرفه أنها تشمل البرنامج النووي، والصواريخ الباليستية، كما التنظيمات العسكرية التابعة لإيران وبينها حزب الله، وأنه إذا لم يجرِ التوصل إلى تفاهم بين الطرفين، فإن كل الخيارات مطروحة على الطاولة".

واستبعد "أن يشمل أي اتفاق، طلبا إيرانيا من حزب الله تسليم سلاحه".

وبدا رجي متفائلا بـ"النظام الجديد في سوريا"، إذ قال: "في كل الأحوال، إنه أفضل من النظام السابق. فمنذ الاستقلال، لم يقل أي نظام في سوريا بوضوح إنه يعترف بالدولة اللبنانية ككيان وباستقلالها ويحترم سيادتها، لكننا الآن تلقينا وعودا من المسؤولين السوريين بعدم التدخل في شؤوننا الداخلية". أضاف: "سلام سيطرح مع الرئيس السوري أحمد الشرع ملف النزوح السوري، الذي يشكل لنا راهنا أولوية الأولويات. فلبنان لم يعد يحتمل التداعيات السلبية للنزوح الذي ضرب التوازن الديموغرافي في البلد، وبات يشكل تهديدا وجوديا، إضافة إلى التهديد الاجتماعي والاقتصادي".

وتابع: "ما نطالب به وندفع باتجاهه خلال لقاءاتنا مع المسؤولين الدوليين هو وجوب أن يعتمد المجتمع الدولي مقاربة جديدة، بحيث تقدم المساعدات للنازحين عند عودتهم إلى بلدهم لا خلال وجودهم في لبنان. كما نشدد على أهمية انطلاق عملية إعادة الإعمار في سوريا كي يعود إليها أبناؤها وتُرفع العقوبات عنها تدريجيا، لأن توافر كل ذلك سيشجع النازحين على العودة. أضف أن الحياة باتت طبيعية في كثير من المناطق والمحافظات السورية، وبالتالي يجب انطلاق قوافل العودة اليوم قبل الغد".

وأردف: "البحث في سوريا سيشمل ملف الحدود الشرقية وملف المفقودين اللبنانيين هناك، إذ نريد أن نعرف مصير هؤلاء... كيف قتلوا؟ وأين هم؟ كي ترتاح عائلاتهم وتستطيع أن تعيش حزنها، فما نسعى إليه هو إقفال هذا الملف نهائيا".

وتناول رجي ملف العلاقات اللبنانية - الخليجية، وقال: "لسوء الحظ مرت سنوات عدة كانت علاقتنا بدول الخليج بشكل عام، وتحديداً بالمملكة العربية السعودية، سيئة، والحق يقال إن لبنان هو الذي يتحمل المسؤولية، أو بالأحرى البعض في لبنان الذين أدخلوا البلد في خلاف لا ناقة له فيه ولا جمل. فلا يمكن أن نصدر الكبتاغون والسلاح ونشتم، ثم نطلب مساعدات".

ولفت الى ان "الموقف اللبناني الرسمي لم يكن يتطابق مع التقليد اللبناني في العلاقات الممتازة بين لبنان ودول الخليج. أما اليوم فبدأت العلاقات تستعيد وضعيتها التاريخية السابقة، وأكبر دليل الزيارة المميزة جدا التي قام بها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للمملكة، بدعوة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. إن الزيارة في حد ذاتها، كما الحفاوة التي استقبل بها، دليل على فتح صفحة جديدة في العلاقات، وهذا يسري أيضاً على زيارة رئيس الحكومة نواف سلام الذي حظي أيضا باستقبال مميز، وكانت هناك وعود من ولي العهد بعودة العلاقات إلى ما كانت عليه، على أن يترافق ذلك مع إنجاز الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة وتحقيق حصرية السلاح".