تدعونا المسيحيَّة إلى ما هو أبعد من كلِّ شيء منظور. حتَّى الأحداث الخلاصيَّة الَّتي تمَّمَها الربُّ هي غير محدودة بكلِّ ما يتعلَّق بالحدث مباشرةً من زمان ومكان وأشخاص. المسيحيَّة تُدخلنا في الحدث الخلاصيِّ لتفتح لنا باب الخلاص الأبديِّ في رحاب الملكوت السماويِّ اللامحدود. لهذا هي تدعونا إلى أن نقترب ونشارك ونكون حاضرين وفاعلين، لا أن نبقى واقفين من بعيد متفرِّجين.

خير مثال على ذلك هو ما حدث في إقامة الربِّ يسوع المسيح للعازر من الموت. فعندما اقترب يسوع من مكان القبر قال: «ارفعوا الحجر!» (يوحنَّا 11: 39). كان باستطاعته، بإشارة من يده أو بكلمة منه، أن يدحرج الحجر، لكنَّه قصد أن يطلب من الجمع لكي يشتركوا بعمل الربِّ الخلاصيِّ. كلُّ واحد منَّا معنيٌّ بالخلاص، ولكلٍّ منَّا دور، فالربُّ لم يتجسَّد ليُرينا عظمته فقط، بل لنكون عظماء معه لأنَّه خلقنا بالأساس عظماء على صورته كشبهه، وتحقيق العظمة الإلهيَّة فينا يكمن في تحقيق الشبه الإلهيِّ فينا. هذا معنى أن نقوم مع المسيح، وهذه هي قيامتنا مع الربِّ من قبر خطايانا. الموت الحقيقيُّ هو موت الروح وليس موت الجسد. فلعازر بعد أن أقامه الربُّ من بين الأموات، عاد ومات بالجسد ثانية، لكنَّه لم يمت روحيًّا بل جاهَد الجهاد الحسن لاكتساب الحياة الأبديَّة. وعندما نقول إنَّ يسوع أقام لعازر، فهذا يعني أنَّ يسوع أعاد خلقه وتكوينه، لأنَّ لعازر كان قد مضى عليه أربعة أيَّام في القبر وأنتن.

ولم ينحصر طلب الربِّ من الجمع بدحرجة القبر فقط، بل قال لهم بعد إقامته للعازر: «حُلُّوه ودعوه يذهب»، لأنَّ يدَي الميت ورجلَيه كانت مربوطات بأقمطة، ووجهُه ملفوف بمنديل.

أراد يسوع بذلك أن يشتركوا بفرح القيامة المجيدة، وأن يتعاضدوا ويتآزروا بعمل الخلاص، التعاضد والمؤازرة مع الربِّ ومع بعضنا بعضًا. وأيضًا أن يضعوا أيديهم على الموت المنهزم ويعلنوا انتصار قيامة الحياة لأنَّ يسوع هو الحياة.

ما حدث لا ينحصر ببيت عنيا وفي زمن تجسُّد الربِّ، بل يمتدُّ إلى كلِّ الأزمان والمسكونة قاطبة. وصرخة يسوع العظيمة «لعازر، هلُمَّ خارجًا!» هي صرخة مدوِّية لا يقف بوجهها أيُّ عائق، وهي صرخة تعيد الحياة لكلِّ مَن يرجوها. ولا نتكلَّم عن حياة يحدُّها عمر أو تقاس بالسنوات، بل هي الولادة الجديدة بعد توبة صادقة. هي صرخة موجَّهة لكلِّ واحد منَّا لنخرج من قبر خطايانا، هذا إذا أردنا أوَّلًا أن ندحرج الحجر عن باب قلبنا. فالربُّ لا يقيمنا عنوة عنَّا بل ينتظر مبادرتنا لأنَّه محبَّة والمحبَّة لا تغصب. طلبُنا من الربِّ مكلَّل بدموع مليئة بفرح اللقاء مع الربِّ القدُّوس، وهي دموع معموديَّتنا الجديدة. فكلَّ مرَّة نخرج من جرن دموعنا نكون خليقة جديدة بالمسيح يسوع.

حدث إقامة لعازر له مكانته العظيمة في الإيمان المسيحيِّ، وفي حياتنا مع المسيح. هذا واضح في خدمة سبت لعازر الليتورجيَّة، فصحيح هو يوم سبت ولكنَّ خدمته خدمة يوم أحد أي خدمة قياميَّة، فالكاهن يقول في الدورة الصغرى وهو حامل الإنجيل إعلان يوم الأحد: «خلِّصنا يا ابن الله، يا من قام من بين الأموات» وليس «يا من هو عجيب في قدِّيسيه»، كذلك في ختم القدَّاس الإلهيِّ. وأيضًا هو وأحد الشعانين يوم استباق قياميٍّ، لأنَّ يسوع أرانا به القيامة والغلبة كما نرتِّل في الطروباريَّة الَّتي هي نفسها لسبت لعازر وأحد الشعانين: «أيُّها المسيح الإله، لمَّا أقمت لعازر من بين الأموات قبل آلامك، حقَّقت القيامة العامَّة. لذلك نحن كالأطفال، نحمل علامات الغلبة والظفر، صارخين نحوك، يا غالب الموت، أوصنَّا في الأعالي، مباركٌ الآتي باسم الربِّ».

كذلك نرتِّل في أحد الشعانين: «أيُّها المسيح الإله، لمَّا دُفِنَّا معك بالمعموديَّة، استأهلنا بقيامتك الحياة الخالدة، فنحن نسبِّحك هاتفين: أُوصَنَّا في الأعالي، مبارك الآتي باسم الربّ».

واضح ارتباط الموت عن الذات بالمعموديَّة الجديدة والقيامة المجيدة، وهو ارتباط عظيم نهتف به بفرح وغبطة كبيرين. هذا الارتباط جسَّدته جداريَّة في مقبرة القدِّيسين بطرس ومارسيلين في دياميس روما من القرن الثالث الميلاديِّ، حيث يضع المسيح عصاه على رأس لعازر المُصَّوَر على شكل سمكة واقفة. فقد فهم المسيحيُّون منذ البداية عمق معنى الولادة الجديدة وارتباطها بالمعموديَّة كولادة الإنسان الجديد بالمسيح.

في الخلاصة، نصرخ في تذكار دخول الربِّ إلى أورشليم «أوصنَّا! مبارك الآتي باسم الربِّ!» (يوحنَّا 12: 13). هذا العيد المعروف بالشعانين ارتباطًا بكلمة «Hosanna» وهي كلمة عبريَّة تعني: «خلِّصنا».

نعم، خلِّصنا يا ربُّ كما نصلِّي في نصف الليل: «آه يا ربُّ خلِّصْ! آه يا ربُّ أَنقِذْ!» (مزمور 118: 25). أنقذنا من سقطاتنا وضعفاتنا وظلام الخطيئة المهلك، وأنرنا بنور قيامتك المجيدة.

إلى الربِّ نطلب.