في الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب اللبنانية، توزّعت المواقف السياسية والروحية والدبلوماسية بين التأمل في مآسي الماضي والدعوة إلى تجاوز الانقسامات وتحصين الوحدة الوطنية، وسط تشديد على ضرورة استخلاص العبر ومنع تكرار التجربة المريرة.

وأكدت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، جينين هينيس بلاسخارت، أنها تابعت مأساة الحرب الأهلية من بعيد، لكنها ترى اليوم، من موقعها في بيروت، آثار الدمار الذي خلّفته تلك المرحلة، مشيرة في المقابل إلى أن المدينة تمثل شاهدًا حيًا على الإرث العريق للبنان في التسامح والتعايش، معتبرة أن هذا هو الإرث الذي سيدوم.

من جهته، شدد السيد علي فضل الله على أهمية التعلّم من مآسي الحرب، داعيًا إلى الابتعاد عن الخطاب الطائفي والتحريضي والإقصائي، وإلى رفض الرهان على الخارج. وأكد أن لبنان لا يُبنى إلا بتعاون جميع طوائفه ووقوفها صفًا واحدًا لمواجهة التحديات.

أما المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فرأى أن “صدى ويلات 13 نيسان لا يزال يتردد في الوجدان الجماعي”، واصفًا تلك الحرب بأنها “اغتالت وطنًا وأرست معادلة الخسارة الشاملة لجميع اللبنانيين”. ودعا إلى طيّ الصفحة نهائيًا وإبرام عقد وحدة وتضامن وطني جديد يحمي لبنان من السقوط مجددًا في فخّ الحرب، مشيرًا إلى أنّ المعادلات الجديدة في المنطقة، واحتلال إسرائيل لأجزاء من الأرض، ومحاصرة طائفة بأكملها، تمثل جميعها تهديدًا للاستقرار الداخلي.

وفي السياق نفسه، وصف النائب عبد الرحمن البزري ذكرى اندلاع الحرب بـ”الموجعة”، مشيرًا إلى أن لبنان ما زال يعيش تداعياتها من إهمال وفساد وتشرذم، معتبرًا أن البلاد لم تتعلم من المآسي والألم، ولم ترتقِ بعد إلى مستوى العمل الجاد لإعادة بناء الوطن، مضيفًا أن “الأوطان لا تُبنى بالشعارات، بل بالتضامن والمحاسبة والدولة العادلة والقوية”.

بدوره، ذكر عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب بيار بو عاصي أنّ "منذ خمسين سنة، قتلوا جوزف بو عاصي وانطلقت مسيرة الدفاع عن لبنان وما زالت، فسقط الشهداء قوافل قوافل. تخاذلوا وتحججوا وما يزالون بأن قيام الجيش بواجباته سيعرضه للانقسام، فانقسم الوطن. وحدها الدولة قادرة على حماية الوطن ومنعه من الانقسام. منتذكّر لمَا تنعاد".

من جانبه، قال النائب هاكوب ترزيان: "ذكرى الحرب اللبنانية – خمسين سنة وجع. خمسين سنة مرقوا، والحرب بعدا محفورة بذاكرتنا. خمسين سنة، ولبنان بعده عم يلملم جراحه، شقفة شقفة. بتتذكّروا كيف بلّشت؟ كيف انقلب الوطن لساحة حرب؟ ما حدا ربح، والكل خسر. بس رغم كل شي، نحنا شعب ما بيموت. نهضنا من تحت الركام، بنينا بيوتنا، وبلّشنا نحب بعضنا من جديد، ولو بخوف. الوجع علّمنا قيمة السلام، وقيمة الحياة، وقيمة الإنسان. بهالذكرى، ما بدنا ننبش الجراح، بدنا نذكّر إنو الحرب ما بتنفع، يا لبناني، خليك صاحي. خلي الحرب تضل ذكرى، مش كابوس يرجع. خمسين سنة وجع، كافية لتكون درس. ولازم نكتب خمسين سنة جايين من المحبّة، من العدالة، ومن السلام".

وصرح عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم، بأنّ "50 عاما مضت ولم تنته احدى اوجه الحرب على وطننا وهو الاخطر وهو العدوان الاسرائيلي حيث كانت اسهامات العدو ودوره اساسي في اشعال الحرب وفتنها المتنقلة، واليوم علينا ان نكون اكثر انتباها الى ما يتعرض له وطننا من تكريس احتلال اجزاءا من ارضنا والعمل على ابقاء نيران الفتنة تحت رماد نوايا العدو وخبثه".

وأضاف "آن الاوان لنتعظ من الماضي ونبني لمستقبل واعد بعيدا عن التدخلات والاملاءات لحماية وطننا وتحصينه في مواجهات الاخطار التي تحيط بالمنطقة لاهداف تخدم مشاريع الخارج".

بدوره، ذكر الأمين العام للمؤتمر الدائم للفدرالية ومنسق مبادرة المحافظون الجدد- لبنان الفرد رياشي، أنّ "اليوم الذكرى الخمسين لحرب لبنان المدمرة، حرب اثرت على اجيال واجيال حرب وسببها نظام مركزي فاشل وحياد غائب".

ولفت إلى أنّ "بفضل سقوط النظام السوري، تم الاستحواذ على ملفات المخابرات السورية وتحليلها مما ادى لكشف دور هذا النظام المجرم باشعال فتيل الحرب اللبنانية، والتي كلفت لبنان آلاف القتلى وخسائر اقتصادية ضخمة، وبتضل العبرة لمن اعتبر".

من جانبه، اعتبر أمين عام الاتحاد المسيحي اللبناني المشرقي فرانسوا العلم، أن "الذكرى الخمسين لحوادث 13 نيسان 1975 التي شكلت شرارة انطلاق مختلف أنواع الحروب على لبنان، تحل هذا العام فيما لا تزال الأخطار والمؤامرات الخارجية والداخلية تشكل تهديداً وجودياً للبنان الدولة والكيان والمجتمع بكل اطيافه".

وقال العلم إن "أولى هذه الأخطار تأتي من إسرائيل التي يحكمها بنيامين نتانياهو بحروب دموية خارجية وخلافات داهلية قد تؤدي الى حرب أهلية سيكون لها أيضا انعكاساتها على محيط فلسطين المحتلة، في حين أن الدولة العبرية مستمرة في اعتداءاتها وخططها في جنوب لبنان والبقاع الغربي لتهجير السكان والسيطرة على الارض والمياه".

واضاف "في الجهة الشرقية للبنان باتت ايضا مهددة بعدما برز "الحكم التكفيري" في سوريا والذي لا يتردّد في محاولاته لاختراق الحدود في البقاع والشمال طمعا بعكار وطرابلس وصولا الى جبل لبنان".

ولفت الى أنّ "الدول الغربية ماضية في تمويل عمليات دمج ثلاثة ملايين نازح سوري تعدّت أعداد ولاداتهم في لبنان أعداد ولادات اللبنانيين مجتمعين، إضافة الى محاولت تلك الدول توطين مئات آلاف الفلسطينيين تدريجيا من خلال الضغط على الحكومات اللبنتنية المتعاقبة لاصدار مراسيم التجنيس وتزوير سجلات النفوس وبيع جوازات السفر، مما سيؤدي لا محالة الى تفجير الديمغرافيا اللبنانية من الداخل".

وأشار العلم الى أنه "لا يكاد يمضي عام واحد منذ 1975 دون أن يتعرض لبنان الى استهدافات أمنية واقتصادية واجتماعية يسيطر فيها القلق الدائم من الأخطار المحدقة ما يحول دون الشعور بالثقة في بناء مستقبل آمن ومزدهر".

وقال: "إننا نرى والحالة هذه، أن الوطن اللبناني الذي يواجه اليوم هذا الكمّْ من المخاطر، هو بأمسّ الحاجة الى المقاومة اللبنانية التي انبعثت من الرماد في 13 نيسان 1975 دفاعا عن القضية اللبنانية، وهذا يتطلب تضافر جهود كل الشعب اللبناني بجميع طوائفه وتيّاراته الى الالتفاف حول مقاومة وطنية جامعة، لدعم الجيش اللبناني والمؤسسات الرسمية في معركة الحفاظ على لبنان أرضاً وسعباً ومؤسسات".

ورأى أن "على الدولة اللبنانية التصدي لكل هذه المخاطر والمؤامرات الداخلية والخارجية بروحية المقاومة، ولربما تكون في أولوية الإجراءات التي عليها اتخاذها، هي تعميم ثقافة المقاومة وخلق بيئة وطنية جامعة برعاية الدولة ومؤسساتها لا سيما مؤسسة الجيش، وصولا الى توزيع السلاح على جميع اللبنانيين للدفاع عن وطنهم واهلهم في مواجهة كل أنواع المخاطر المحدقة".

بدوره، دعا النائب بلال الحشيمي إلى بناء السلام وتجاوز ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في 13 نيسان قبل خمسين عامًا، مؤكدًا أن الحرب لم تنتج إلا الكراهية والانقسام، وأن استحضارها المستمر يكرّس الانقسامات بدل أن يكون مناسبة للعِبر.

وأشار إلى أن اللبنانيين عاجزون عن تحويل الذكرى إلى مناسبة للمصالحة، في ظل استمرار الخطاب الطائفي والسلاح غير الشرعي والولاءات المتعددة، معتبرًا أن الحل يكون عبر دولة قوية تحكمها المؤسسات.

وشدّد الحشيمي على ضرورة محو الحرب من الذاكرة اليومية بشكل مسؤول، وبناء ذاكرة سلام تقوم على العدالة والمواطنة، داعيًا إلى جعل 13 نيسان محطة وعي لا مجرد استذكار.