على وقع إنتهاء الجولة الأولى من المفاوضات الأميركية الإيرانية، يستمر السجال الداخلي حول مصير سلاح "حزب الله"، بالرغم من المعلومات المتزايدة حول نية رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون التفاوض الثنائي مع الحزب، في ظل رفض مجموعة واسعة من القوى السياسية مبدأ الحوار حول بقاء السلاح من عدمه، على قاعدة أن المطلوب البحث في آلية تسليمه أو نزعه.

من حيث المبدأ، لا يمكن فصل المسار الداخلي عن المسار الخارجي لهذه المسألة، على إعتبار أن سلاح الحزب، منذ سنوات، كان ينظر إليه على أساس أنه ملف إقليمي بالدرجة الأولى، وبالتالي لا يمكن معالجته من منطلق حوار داخلي فقط، إلا أن التحولات التي سجلت، بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول من العام 2023، فرضت تبدلاً في المقاربة.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن مقاربة الأفرقاء المعارضين لـ"حزب الله" بات لديها اليوم ما يدعمها أكثر، نظراً إلى أن نتائج العدوان الإسرائيلي الأخير أثبتت أنّ الحزب لا يملك القدرة على فرض معادلات رادعة على تل أبيب، لا بل هو، أبعد من ذلك، متهم بجر البلاد إلى حرب كان من الممكن تفاديها، من منطلق أنه هو الذي بادر إلى فتح الجبهة تحت عنوان: إسناد غزة.

إنطلاقاً من ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أن الأصوات الداعية إلى معالجة هذه المسألة باتت اليوم أعلى، وبالتالي لا يمكن تجاهلها، لا سيما أن الحزب، في الحرب الماضية، لم يكن يحظى بدعم من قبل أيّ فريق داخلي وازن، لا بل تجاهل كل الدعوات إلى وقف العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية، من خلال ربطه الأمر بوقف العدوان على غزة، وبالتالي هو يتحمل المسؤولية عن التداعيات التي ترتبت على هذا القرار، حتى ولو كان يبرر ذلك بأن تل أبيب كانت تعد العدة لشن عدوان على لبنان.

هذا الواقع الداخلي، لا يمكن أن يفصل على ذلك القائم على مستوى المنطقة برمتها، بالنظر الى أن الدعوات لإنهاء هذا الملف لا تقتصر على الأفرقاء المحليين، بل أن العديد من الجهات الدولية والإقليمية تُصر على هذا الأمر، في حين أن التطورات التي كانت قد برزت في المنطقة، تحديداً سقوط النظام السوري السابق، فرضت المزيد من التحديات على "حزب الله"، بالنسبة إلى مسار إعادة ترميم قوته.

في هذا المجال، تشدد المصادر المتابعة على أن "حزب الله" يستطيع أن يرفع شعار رفض المساعدات المشروطة من قبل أي جهة، لكنه في المقابل لا يمكن أن يجبر جميع الأفرقاء المحليين على ذلك، وبالتالي هو اليوم يتحمل أيضاً مسؤولية المغامرة بهذا الأمر، في حال لم يتجاوب مع الدعوات التي تصب في هذا الإتجاه، حيث تشير إلى أن المواقف التي عبرت عنها المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، خلال زيارتها إلى بيروت، كانت واضحة، وتضيف: "هي لم تكن تعبر عن موقف بلادها فقط، بل أيضاً عن موقف مجموعة واسعة من القوى الإقليمية والدولية الفاعلة".

من وجهة نظر المصادر نفسها، ما يجب رصده اليوم هو أن النقاش، بين غالبية الأفرقاء الذين ليسوا من حلفاء "حزب الله"، ليس حول مبدأ ضرورة معالجة ملف سلاحه بشكل حاسم، بل حول كيفية الوصول إلى هذه النتيجة، حيث هناك من يدعو إلى ذلك بأسرع وقت ممكن بغض النظر عن الوسيلة، في حين يوجد هناك من يعتبر أن الأفضل الذهاب إلى الحلول الهادئة، على إعتبار أن الأمر يتطلب أخذ الهواجس التي لديه بعين الإعتبار، خصوصاً لناحية إستمرار الإحتلال والإعتداءات الإسرائيلية.

في المحصّلة، ترى هذه المصادر أنه من الطبيعي توقع أن توفر الظروف الإقليمية المناسبة لمعالجة الملفات العالقة، تحديداً مسار المفاوضات الأميركية الإيرانية، قد يكون أفضل، لكنها في الوقت نفسه تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول ما قد يحصل بحال فشلت هذه المفاوضات في المرحلة المقبلة، من دون تجاهل عامل مهم، أن هناك، في الداخل والخارج، من لا يريد في الأصل إنتظار نتائجها، من منطلق أن ذلك يعقد المشهد أكثر.