هلّل كثيرون لمشروع قانون معالجة أوضاع المصارف الذي أقرّته الحكومة يوم السبت الفائت، وكأنّها فعلت إنجازاً أو إستطاعت أن تجد حلاً للمودعين المحتجزة أموالهم في المصارف، أو حتى تفرض إعادة هيكلتها وتضع الموضوع على السكّة؟! الحقيقة لا، من يقرأ المشروع الذي

أقرّ ويتمعّن في بنوده يجد فعلياً أنّ واضعه لم يقرأه حتى، والأكيد أن ليس هناك نقص تشريعي في لبنان بل إنحراف في تطبيق القوانين، والمشروع الذي أقرّ مؤخراً يُثبت هذا الأمر.

لم تقع أزمة مالية لتتم معالجتها في لبنان، ومنذ العام 2019 حصلت "جريمة"، لهأ أمثلة كثيرة في العالم، ولكن ما لا مثيل له في أي بلد أن تكون الجريمة خاضعة لأحكام قانون ساري المفعول، ويأتي المعنيون للقول "نريد وضع قانون جديد لتطبيق أحكامه على الجريمة الحاصلة".

تحويل الودائع الى استثمار

أولاً وقبل الغوص في مواد المشروع، في لبنان هناك ثبات تشريعي وهو عنصر مهمّ لإستقطاب المال الدولي، وأي خلّل فيه سيرتدّ سلباً على الدولة. وهنا يشرح المتخصّص في الرقابة القضائية على المصارف الدكتور باسكال ضاهر أن "الثبات التشريعي ينشئ جزئية أخرى مهمّة وهي انه عندما قرّر المال الدولي أن يدخل بمؤسسة الودائع دخلها سندا للأحكام القانونية الناظمة لحكم الودائع المعمول فيه بالدولة اللبنانية، وعندما تعود الدولة لتقول في النص لاسيما الفقرة 1 من المادة 13 أنها ستعتبر الودائع أدوات رأسماليّة أي ستتم معاملتها معاملة الاستثمار، سيؤدي هذا الامر الى ضرب عامل الثقة وخلط المفاهيم الخاصة بالمؤسسة القانونيّة للودائع بمؤسسة الاستثمار، وهذا خطأ فادح لأن صاحب المال عندما يقرّر أن يدخل بإستثمار يكون واضعًا نُصب عينيه ذهنية الربح والخسارة، ولكن عندما يدخل بوديعة يعتبر أنّها ستعود له وفق الاحكام المعمول بها في القانون"، لذلك وبحسب ما يؤكد ضاهر فإن المادة 13 مشوبة بعيوب تتناقض مع الدستور الذي شرّع حماية الأموال الخاصة وعدم المسّ بها.

ضرب الثقة الائتمانيّة

المادة 14 التي تحمل عنوان "المبادئ العامة التي ترعى عملية إصلاح وضع المصارف" خلطت بين مفهوم حماية المودعين طبقاً للقانون 67/2 ورمت الثقل على قانون آخر إسمه قانون معالجة "الفجوة الماليّة"، والواضح أنّ واضع النصّ لا يزال غير ضليع بالقوانين المصرفيّة والماليّة لأن الحماية المقرّرة ليست نهائيّة. ويشير الدكتور ضاهر الى أن عبارة "الفجوة" خاطئ لأن الأزمة لم تنشأ وهي ليست ثقباً أسود غير معلوم، بل هي أزمة ناتجة عن مخالفة قانونية مقصودة. ويعود ضاهر الى الفقرة 7 من المادة 14 الّتي تؤكد الخوف لناحية تحويل الودائع الى استثمار، وتقول "في حال استخدام النفاذ الداخلي bail in كإحدى أدوات اصلاح وضع المصرف تطبّق هذه الاداة على ودائع العملاء على أساس مفهوم "مفهوم المودع الواحد"، وهنا نبّه الدكتور ضاهر المعنيين الى ضرورة التبصّر وعدم ضرب الثقة الائتمانيّة لأنّ ذلك سيؤدي الى عزوف الأموال الدوليّة عن الدخول الى القطاع المصرفي".

الاستناد الى مواد غير موجودة

وما يؤكد أن القانون هجين هو ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة 5، إذ تحدثت عن دور وصلاحيات وقررات الهيئة المصرفية العليا نافذة فور نفاذ القانون وفقا للمادة 39 ولا يعلق عملها الا في حال عدم إكتمال تعيين أي من أعضائها كما نص عليه القانون. وبالعودة الى مشروع القانون الذي اقرّ نجد أن مواده تنتهي عند المادة 37 أي لا توجد مادة 39 فيه. ويلفت الدكتور ضاهر الى أنه "حتى في المادة 36 جرت الإشارة الى المادة 39 وهي غير موجودة في القانون الذي أقرّ ما يدل على تسرّع واضع النص وعدم القراءة المتأنيّة له".

أموال مستثناة وأزمة مفتعلة

في نص القانون ملحق أيضاً وهو بند "المطلوبات المستثناة"، وهو ذكر الودائع في المصارف العائدة لكل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، وصناديق التقاعد والتعاضد العائدة للقضاة والنقابات والمدارس والجامعات، كما الاموال الخاصة للقوى الامنية كافة والمؤسسات الرئيسية التابعة لوزارة الدفاع، اضافة الى ودائع السفارات الاجنبيّة الخاصعة لاتفاقية فيينا والضرائب والاموال الجديدة. هنا يشرح الدكتور ضاهر أن "هذا النص يفرض قاعدة عدم مساواة بين الودائع المستثناة وبين ودائع الشعب اللبناني والعرب والاجانب، والأهم أنه إذا كان هناك ودائع مستثناة من أحكام هذا القانون، الاجدى أن نفهم لماذا وضع إستثناء كانت الأزمة نظامية"؟ ليعود ويؤكّد على أن "هذا دليل أن الأزمة مفتعلة ويجري الالتفاف على الاحكام القانونيّة لتعزيز سياسة الافلات من العقاب".

الأكيد أن ما تقوم به الدولة اللبنانيّة عبر سنّ كل هذه القوانين الهجينة لن يؤدي الى أي نتيجة أو الى اصلاح القطاع المصرفي والوضع المالي، والواضح أنها تطبخ قوانين البحص حتى دون أن يلجأ من وضعها الى إعادة قراءتها لتشذيبها وتهذيبها ويقوم بكل ذلك فقط للقول أنه تمّ "سنّ القوانين"، ولكن إذا أرادوا فعلا الاصلاح يمكنهم اعتماد الاسس التي اعتمدتها آيسلندا وساعدتها على الخروج من أزمتها.