تترقّب عواصم العالم مسار المفاوضات الإيرانيّة- الأميركيّة، نظرًا لما تحمله من متغيّرات في الإقليم، وانعكاسها على اقتصادات دول غربيّة.
يركّز التّفاوض حاليًّا على الملف النّووي، وبدرجة ثانية يُطرح ملف الصّواريخ الباليستيّة والسّلاح الفضائي ودور إيران في الإقليم. وإذا كان العنوان الأخير مهمًّا للدّول الإقليميّة، وخصوصًا إسرائيل وتركيا ودول الخليج العربي، باعتبار أنّ تحديد أو تقليص نفوذ إيران الإقليمي سيؤثّر على رسم سياسات أخرى، على الأقل في العراق ولبنان واليمن، حيث يتواجد حلفاء طهران بشكل فعّال. إلاّ أنّ المتغيّر لا ينحصر عند هذا العنوان، بل يأتي صدى لأبرز النّتائج الّتي سيفرزها الإتفاق بين واشنطن وطهران في قطاعات الاقتصاد والمال.
ومن هنا بالذّات، تحل الاستثمارات عنوانًا أساسيًّا في صدارة اهتمامات الإدارة الأميركيّة، وهي الّتي تشكّل الدّافع الجوهري لإدارة الرّئيس الأميركي دونالد ترامب في التّخطيط لكسب تريليونات الدّولارات، جرّاء عمل الشّركات الأميركيّة في قطاعات النّفط والغاز والليثيوم والمعادن الاستراتيجيّة في إيران.
يريد ترامب التّفرّد في استثماراته هناك، ومنع اقتراب أي دولة أوروبيّة كانت حضّرت نفسها في الفترة الماضية، قبل أن تغادر مضطرّةً بفعل إنهاء ترامب للاتفاق الّذي تمّ توقيعه عام 2015.
لا مكان في حسابات البيت الأبيض لشركات "توتال" الفرنسيّة، ولا لأي شركة أوروبيّة تكنولوجيّة أو صناعيّة، عدا عن الصّين الّتي كانت جاهزة سابقًا للاستثمارات، وتتمتّع بأفضليّة عن غيرها في ايران.
لكن ترامب أطاح بالكل، على دفعتَين: الأولى عندما ألغى في ولايته السّابقة الإتفاق مع إيران وأبقى العقوبات، والثّانية حاليًّا بالتّخطيط لعودة بلاده منفردة إلى مساحات إيران الطّبيعيّة.
وبحسب معلومات مطّلعين، إنّ القيادة الإيرانيّة تفضّل الصّينيّين ثمّ الأوروبيّين، لكن الشّركات الإيرانيّة والشّعب يفضّلون الأميركيّين عن غيرهم.
وفي حال حصل الإتفاق، سيكون على الأميركيّين أن يقرّوه في الكونغرس قبل تنفيذه، وهو مطلب إيراني رئيسي بعد سقوط التّجربة السّابقة. بينما سيتفرّغ الإيرانيّون إلى ورشة عمل دسمة في تحديث وتطوير القوانين، بما يتلاءم مع مسار المرحلة الآتية.
إنّ وجود تلك المحفّزات الأميركيّة تضع الإيرانيّين في موقع الارتياح الدّبلوماسي، وعدم التّنازل في التّفاوض، لمعرفة طهران أنّ واشنطن لا تقدم على ضرب النّظام الإيراني لسبَبين جوهريَّين: أوّلًا، الاستثمارات الاقتصاديّة الضّخمة الّتي تسعى إليها عبر الإتفاق، وثانيًا ان سقوط الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران يعني غياب التّناقضات، وبالتّالي تفلّت الانضباط في الإقليم.