حملت زيارة الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان إلى بيروت رسائل بالغة الأهمية، عكست بوضوح حجم الاهتمام السعودي المتصاعد بالملف اللبناني، والتوجه الجاد نحو توفير رعاية عربية ودولية لإخراج لبنان من دوامة الحروب والانهيارات المتكررة، إلى مرحلة جديدة عنوانها الانتظام الطبيعي والسلم والاستقرار المستدام.
وكشف مصدر سياسي لبناني بارز، واكب اللقاءات التي عقدها الأمير يزيد مع عدد من القيادات السياسية اللبنانية، كشف لـ "الأنباء" الكويتية، أن الرياض "تعود إلى بيروت بقوة، ليس فقط لإبداء التضامن أو إعادة تأكيد دعمها المعنوي، بل لتفعيل دورها الحاضن للبنان، وترسيخ معادلة جديدة تقوم على حماية الاستقرار وتثبيت السلم الداخلي، ووضع لبنان مجددا تحت مظلة عربية ودولية تحميه من الانهيارات وتفتح أمامه أبواب التعافي الاقتصادي والسياسي".
وأكد المصدر أن "الزيارة لم تأت بمعزل عن التنسيق الجاري ضمن إطار اللجنة الخماسية العربية والدولية، لكنها حملت خصوصية لبنانية واضحة، من خلال الدفع نحو خطوات عملانية على المستويين الأمني والسياسي، وخصوصا فيما يتعلق بجبهتي الجنوب والحدود الشرقية، اذ ان الأمير يزيد شدد خلال محادثاته على ضرورة احترام اتفاق وقف الأعمال العدائية في الجنوب، وعدم الانجرار إلى مواجهة واسعة لا يرغب بها أحد، لا على الصعيد اللبناني ولا الإقليمي، مع الإشارة إلى دعم السعودية الكامل للجيش اللبناني في أداء مهماته، بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، تطبيقا للقرار 1701".
وأضاف المصدر: "الملف الثاني الذي أولاه الموفد السعودي أهمية قصوى هو مسألة الحدود مع سورية، إذ جرى التشديد على وجوب استمرار فتح قنوات الحوار المباشر بين بيروت ودمشق وتطويره انطلاقا من الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة نواف سلام، لترسيم الحدود وضبطها بما يضع حدا للتهريب، ويعزز سيادة الدولة اللبنانية، ويمهد لإعادة تطبيع العلاقات اللبنانية - السورية تحت سقف احترام متبادل للمصالح والسيادة".
وأكد المصدر أن "السعودية لا تتدخل في تفاصيل الإدارة اليومية للملف اللبناني، لكنها تؤدي دورا حيويا في تأمين شبكة الأمان الضرورية لأي حل مستدام، وهي جاهزة للتعاون مع الحكومة الجديدة في ملفات الإصلاح، لاسيما على المستويين المالي والاقتصادي، بالتنسيق مع المؤسسات الدولية وصناديق الدعم".
وتابع المصدر: "ما لم يعلن بشكل رسمي، هو أن زيارة الأمير يزيد فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الانفتاح العربي على لبنان، ترتكز على قاعدة واضحة: حماية استقراره من أي هزات أمنية أو سياسية، ودفعه نحو استعادة دوره المحوري في المنطقة، شرط التزام اللبنانيين بمسار إصلاحي جاد ومسؤول".
وبحسب المعلومات، فإن الموفد السعودي أبلغ القيادات اللبنانية بأن "المرحلة الحالية تحمل فرصا حقيقية أمام لبنان إذا أحسن التقاطها، وخصوصا أن المنطقة تتجه نحو تهدئة واسعة قد تعيد ترتيب الأولويات، ومن بينها تعزيز الاستقرار في الدول التي عانت من أزمات متراكمة، ولبنان في مقدمتها".
وختم المصدر السياسي حديثه بالإشارة إلى أن "الرسالة السعودية الأساسية كانت واضحة: المملكة لن تترك لبنان وحده، لكنها تنتظر منه أن يحسن إدارة الفرص المتاحة، وأن يواكب الجهد العربي والدولي بإصلاحات واقعية، لأن الإنقاذ لا يكون بالشعارات بل بالعمل المؤسساتي الجاد… والسعودية مستعدة لتكون حاضنة لهذا المسار، وضامنة لنجاحه".