منذ تصاعد التوتر العسكري على الحدود الجنوبية في أعقاب "طوفان الأقصى" في تشرين الأول من العام 2023، دخل جنوب لبنان في مرحلة اقتصادية حرجة، فبعيداً عن لغة الدمار والخسائر العسكريّة، تكشف المؤشرات الاقتصادية أنه يشهد أحد أسوأ فصول الإنكماش منذ انتهاء حرب تموز 2006، في ظل غياب شبه كامل للسياسات الحكوميّة المعالجة، مع العلم أن الوجه الاقتصادي للدولة في الجنوب هو جزء لا يتجزأ من فكرة بسط سلطتها على كامل أراضيها.

أرقام غير مسبوقة

يشير تقرير صادر عن غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب إلى أن النشاط الاقتصادي جنوبا انخفض بنسبة 67 بالمئة خلال النصف الأول من عام 2024، مقارنة بالفترة نفسها من 2023. وشمل كل القطاعات: التجارية، الزراعية، والخدمية.

كذلك اغلقت ابواب أكثر من 1700 مؤسسة صغيرة ومتوسطة منذ بداية المواجهات حتى ما قبل اندلاع الحرب في 23 أيلول الماضي وبالتالي فالأرقام أصبحت أعلى وهنا ليس المقصود فقط القرى الأمامية التي تعرضت للتدمير.

كذلك هناك خسائر ضخمة في القطاع الزراعي، إذ يُعد الجنوب سلّة زراعية أساسية للبلاد، وبحسب وزارة الزراعة اللبنانيّة، انخفض إنتاج الزيتون، الحمضيات، والتبغ في محافظتي الجنوب والنبطية بنسبة 52 بالمئة في موسم 2023-2024، نتيجة النزوح، صعوبة الوصول إلى الأراضي، وتراجع الاستثمارات، فإنتاج الزيتون تراجع من 40 ألف طن في موسم 2022 إلى أقل من 19 ألف طن في موسم 2023، أما التبغ فتمكّن المزارعون من تسليم 38 بالمئة فقط من الكميات المعتادة للريجي، ما أثّر على مداخيل آلاف العائلات.

البطالة والنزوح الاقتصادي

هذا وارتفعت معدلات البطالة إلى 38 بالمئة، بحسب تقديرات "المرصد اللبناني للعمل والعدالة الاجتماعية"، وتأثرت كل القطاعات ولا تزال تُعاني، وبالتالي إن أي عودة للدولة إلى المنطقة يجب أن تكون من خلال الباب الإقتصادي إلى جانب الباب الامني والعسكري.

قبل الحرب كانت تغيب مشاريع البنى التحتية والخدمات، من مياه الري، شبكات الكهرباء، تأهيل الطرقات والمراكز الصحية، حيث توقفت كلّها بسبب العجز المالي، وغياب التمويل الدولي، وانسحاب المنظمات الأجنبيّة من بعض المناطق المصنّفة "غير آمنة"، وجاءت الحرب لتزيد الوضع سوءاً، وهذا ما يدركه الثنائي الشيعي الذي تُشير مصادره إلى أن ملف الإقتصاد في الجنوب هو أحد أهم الملفّات التي تُعنى بدعم مقوّمات صمود الجنوبيين، إذ لا يكفي لاجل العودة توقف الحرب بل أيضاً توفير مقوّمات العيش.

وتكشف المصادر أن هذا الهم المتعلق بأساسيات الصمود دفع برئيس المجلس النيابي نبيه بري لطرق أبواب العراق للحصول على دعم بإعادة إعمار المؤسسات الحكومية والتربوية في القرى المتضررة، وقد حصل على وعد بدعم قريب، علماً ان العراق يدعم لبنان دون أي شرط مسبق، مشيرة إلى أن المرحلة المقبلة لن تشهد فقط عودة أمنيّة للدولة إلى الجنوب، فالعودة الإقتصادية لا تقل أهمية وسيكون هناك السعي الحثيث لدعم الإقتصاد الجنوبي.

الوضع الاقتصادي جنوبا لا يمكن وصفه فقط بـ"المأزوم"، بل هو في مسار تدهور مقلق يهدّد الاستقرار الاجتماعي على المدى المتوسط. وغياب الحلول الحكومية، الى ضعف المساعدات، كلها عوامل تسهم في شلّ العجلة الاقتصادية بالكامل، وإن لم تبدأ مرحلة جديدة من المعالجة، تتضمن خطة طوارئ إنمائية واستثمارية، فإن المنطقة تتجه نحو كارثة اقتصاديّة طويلة الأمد لا تقل خطورة عن أيّ صراع عسكري.