اشار رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر الى انه "لو لم تخرج النساء من بيوتهن لما رأين القبر فارغًا ولما عرفن أنَّ الربّ يسوع قام وانتصر على الموت. ولمّا رأين ارتعبن لأنَّ القيامة سرٌّ عظيم زعزعت عندهنّ ما كان ثابتًا وما اعتدن عليه وغيَّرت منطقَ الأمور ومسارها. وهربن لأنّ مسؤوليّة البشارة بدت لهنّ أثقل ممّا تستطعن حمله. تلك النسوة الثلاث خرجن باكرًا فشاهدن الحجر المدحرج والقبر الفارغ وعرفن بالقيامة والتقين المخلّص".

واردف المطران عبدالساتر بقداس القيامة في كاتدرائيّة مار جرجس - بيروت، "نحن أيضًا مدعوّون إلى الخروج لنكون رسل المخلّص وعلامات حيَّة على انتصاره على الموت. نحن مدعوّون إلى الخروج من التقوقع ومن منطقتنا الآمنة ومن بين أهلنا ومحبّينا نحو الآخر المختلف عنّا في كلِّ شيء، وإلى الخروج من أفكارنا الثابتة ومن أحكامنا المسبقة ومن عاداتنا وتقاليدنا لنصغي إلى أفكار الآخر والتعرّف إلى عاداته وتقاليده فنتقرّب منه، ونحن أيضًا مدعوون إلى الخروج لإعلان البشارة بالكلمة وبالمحبّة وخصوصًا محبّة الأعداء، وبالفرح وبالرجاء. يردّد قداسة البابا فرنسيس أنَّ على جماعة المسيحيين، جماعة القائم من بين الأموات، أن يخرجوا من بين جدران كنائسهم ومن حدود أحيائهم ومن بين أهلهم، ويدعوهم إلى أن يهدموا الجدران التي تفصلهم عن الآخر أو تمنعهم من الوصول إليه. ويتابع أنَّ على المسيحيين، ومن بعد أن يهدموا الجدران، أن يبنوا الجسور مع الآخر من أجل إنسانيَّة موحدة وعالم أفضل. ولذلك فلا الإنعزال ولا التعصّب الديني ولا الخوف من الآخر ولا تخويفه وتهديده ولا اعتماد أساليب الترهيب معه هم من صفاتنا ولا هم من أساليب إعلان القيامة".

وتابع: "لطالما كانت الأفكار الثابتة والأحكام المسبقة وكذلك الامتناع عن ملاقاة الآخر والحوار معه سببًا لأخطاء جسيمة يرتكبها الإنسان تجاه ربّه وتجاه أخيه الانسان. والأمثلة عديدة في حياتنا وفي تاريخ الكنيسة والعالم. فنحن المسيحيين في هذا الشرق لا نستطيع أن ننسب ذاتنا إلى الربّ القائم من الموت ونحن لا نقبل أن نرى ما هو حسنٌ في الآخرين، ولا نستطيع أن نسمّي أنفسنا مسيحيين ونحن لا نرى في الآخر المختلف عنَّا إلا عدوًا تاريخيًّا ونرفض التلاقي وتنقية الذاكرة والمصالحة. فلنترك الروح القدس يعمل فينا ولنفتح قلوبنا للمحبة. ونحن المسيحيين في هذا الشرق موجودون لنعلن القيامة بالكلمة وبالمحبّة وبالفرح والرجاء الذي لا يتزعزع وبحماية كلِّ حياة. لذلك نحن مدعوون إلى الكلام على يسوع القائم والمخلّص من دون كلل وخجل وإلى البشارة بالقيامة بموقفنا أمام الألم والمرض والموت، والموت العنيف خصوصًا. ونحن مدعوون إلى الإلتزام أكثر بالحوار بين الأديان من دون الوقوع في الجدالات العقيمة. ونحن المسيحيين في هذا الشرق مدعوون إلى الصلاة على نيّة شعوب منطقتنا وإلى عيش المسامحة. لنعلن القيامة بصبرنا في الشدائد وبعيشنا التجرد وبعدم سعينا خلف الزائل. نحن في هذا الشرق لنعمل من أجل السلام ولنطالب في تحقيق العدالة، في مسألة انفجار بيروت مثلاً. ولا يحق لنا أن نصمت أو نبرِّر الإبادات الجماعيّة والتجويع والتعدّي على الأطفال والنساء، ولا تهديم البيئة من أجل مكسب رخيص".

وختم عبد الساتر: "قام المسيح فلنخرج نحو الآخر ولنخرج من أحكامنا المسبقة ولنعمل على إزالة التعصب وعلى تعزيز الحوار بين الناس. لنحمِ الإنسان والطبيعة من طمع الإنسان ومن شراهته للسلطة والمال فنكون حينها شهودًا حقيقيين للقيامة. المسيح قام!".

وبعد القدّاس الذي خدمته جوقة قاديشا بقيادة الأب يوسف طنوس الراهب اللبناني الماروني، استقبل عبد الساتر المهنّئين بالعيد في صالون الكاتدرائيّة.