صحيح أنَّنا احتفلنا بالقيامة المجيدة، ولكنَّ هذا لا يعني إطلاقًا أنَّ الصليب أصبح خلفنا، لأنَّ الصليب والقيامة توأمان لا ينفصلان أبدًا، والاثنان يشكِّلان محور إيماننا المسيحيِّ. فيسوع هو المصلوب القائم، الحمل الذبيح لخلاصنا.
حضور الصليب المقدَّس في الكنيسة والليتورجيَّة والفنِّ الكنسيِّ موجود منذ بداية المسيحيَّة في العهد الجديد، كذلك كان له حضور رمزيٌّ واستباقيٌّ في العهد القديم بأحداث خلاصيَّة[1].
كذلك أقرَّ المجمع المسكونيُّ السابع (787م) السجود للصليب المقدَّس كما للأيقونات، وسمَّوا السجود «سجودًا نقيًّا وبريئًا من الغشِّ» لكون الرسم «مثالًا لمن رُسِمَت على اسمه». كذلك نقرأ في المجمع الخامس - السادس Quinisexte (691-692م) تكريمًا واجبًا للصليب المقدَّس لأنَّ «الصليب المحيي أظهر لنا الخلاص من الخطيئة القديمة» (قانون رقم 73)، كذلك نقرأ في المجمع نفسه أنَّ الَّذين يأتون من الهرطقات إلى الإيمان المستقيم يُستقبَلُون كوثنيِّين، ويتمُّ تحصينهم في بداية الأمر بعلامة الصليب، ومن ثمَّ يصلَّى عليهم صلوات الاستقسام وتعليمهم استعدادًا لتعميدهم (قانون رقم 95). والمعموديَّة هي الموت مع المسيح والقيامة معه[2].
كلُّ هذا ليقول حيث صليب الربِّ يسوع المسيح هناك القيامة المجيدة، وحيث القيامة المجيدة هناك صليب الربِّ، ونتيجة هذا الاتِّحاد الأبديِّ هي الغلبة وهذا معنى NIKA باللغة اليونانيّة. لهذا نجد في القرون الأولى أنَّ المسيحيِّين اعتمدوا، كرمز للغلبة، الحرفَين الأوَّلَينΧ (Chi) - Ρ (Rho) من كلمة المسيح باللغة اليونانيَّة XRISTOS - Χριστος وذلك بوضعهما فوق بعضهما، كما نشاهد في الصورة المرفقة كتمثيل رمزيٍّ لقيامة المسيح من تابوت رومانيٍّ يعود لحوالي العام 350 م، حيث نشاهد في القسم العلويِّ إكليل النصر وفي داخلهΧΡ . وترمز اليمامتان إلى الروح القدس والسلام، والشخصان في الأعلى يرمزان إلى الشمس والقمر، كشاهدَين على الرب خالقهما وعلى انتصاره وقيامته.
أمَّا في القسم السفليِّ، وتحت الصليب، فنشاهد جنديَّين رومانيَّين مهزومين. ما نشاهده عنوانه النصر والغلبة، غلبة المسيح على الشرِّير والموت والخطيئة.
وأيضًا نستعرض قي المقالة فسيفساء عن نزول الربِّ إلى الجحيم. هي من القرن الحادي عشر، موجودة في دير Hosios Loukas في اليونان. نشاهد فيها الربَّ يسوع في الوسط يخطو إلى الأمام منتصرًا وقائمًا، ويحمل بيده اليمنى صليبه كراية النصر، وفي يده اليسرى يقيم آدم، وخلف آدم نشاهد حوَّاء بردائها الأرجوانيِّ اللون، إشارة إلى المجد الَّذي أعطاها إيَّاه الربُّ. لباس آدم ذهبيٌّ وأبيض اللون، شبيه بألوان لباس يسوع النورانيِّ لكون آدم يأخذ مجده منه. آدم وحوَّاء يرمزان إلى البشريَّة جمعاء.
كما نشاهد الملكين النبيَّين داود وابنه سليمان إشارة إلى النبوءة الَّتي أعطاها الربُّ لداود بقوله: «أنِّي أقيم بعدكَ نسلَكَ الَّذي يكون من بنيك وأُثبِّتُ مملكته. هو يبني لي بيتًا وأنا أثبِّت كرسيَّه إلى الأبد» (أخبار الأيَّام الأوَّل 11:17-12)، أمَّا وجود سليمان فلأنَّه بنى الهيكل الَّذي هو استباق للهيكل الحقيقيِّ الربِّ يسوع المسيح الَّذي قال لليهود عن الهيكل الحجريِّ: «انقُضُوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيَّام أُقيمُه» (يوحنَّا 19:2)، وكان يسوع يتكلَّم عن هيكل جسده (يوحنَّا 21:2).
خلفيَّة الفسيفساء ذهبيَّة اللون، إشارة إلى النور الإلهيِّ والملكوت، عكس ظلمة الجحيم تحت أقدام الربِّ حيث تتناثر أقفال ومفاتيح جهنَّم وسلاسلها المكسورة من جرَّاء الهزيمة الَّتي مني بها الشيطان من يسوع.
الكتابة في الأعلى يونانيَّة وتعني القيامة.
نشاهد خشبتين أفقيَّتين في أعلى الصليب، الأولى من فوق تشير إلى اللافتة الَّتي عُلِّقت على الصليب وكان مكتوبًا عليها: «يسوع الناصريُّ ملك اليهود» (يوحنَّا 19:19).
بالخلاصة، نحن نرتِّل «لصليبكَ يا سيِّدنا نسجد ولقيامتك المقدَّسة نمجِّد» لا لتخرج الكلمات من حناجرنا فحسب بل من عمق قلوبنا، هذا إذا قدَّمنا حقًّا توبة صادقة، ورمينا خطايانا تحت أقدام المصلوب ليدوسها ويمحوها ويرفعنا معه على الصليب ليعبر بنا إلى ملكوته السماويِّ.
إلى الربِّ نطلب.
[1]. في سفر الخروج 11:17-12: موسى يبسط يديه على شكل صليب، و في سفر العدد ٢١: ٨-٩: الحيَّة النحاسيَّة الَّتي رفعها موسى بطلب من الربِّ.
[2]. "فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟" (رومية 6: 4).