أما وقد أشرقت أنوار القيامة بعد عبور درب الصوم المقدّس، حيث اختبرنا في محطّاته الصلاة العميقة، والصمت الفاعل، والعطاء الصادق، ها هو توما الرسول يقف أمامنا في مشهديّة "الأحد الجديد"، لا كمنكر، بل كصوتٍ صادقٍ يقرع أبواب القلوب، ليفتحها على الإيمان الحيّ، ذلك الإيمان الذي لا يحتاج إلى لمس الجراح كي يؤمن، بل يتّقد من نور القيامة، ويستنير من الحقيقة الساطعة التي دعينا لأن نحياها.
لم يكن شكّ توما عثرةً في درب الإيمان، بل كان جسرًا عبَر به نحو اليقين. توما، التلميذ الغيور، لم يشأ أن يرضى بإيمانٍ مستعار، بل تاق إلى لقاءٍ شخصيّ مع القائم من بين الأموات، وها قد أجابه الرب بمحبة وحنان، فالتقاه في ضعفه، وأعطاه ما يطلب، لا ليُخضعه، بل ليقوده إلى ملء الإيمان.
فالرب، منذ فجر قيامته، لم يرفض السائلين، ولم يوبّخ الباحثين، بل منحهم العلامات لا ليبقى الإيمان رهينة الحواس، بل لينقله إلى العمق، حيث يصير اليقين عطيةً من فوق. يعرف الرب هشاشة الطبيعة البشريّة، ويعرف أن القلب الإنساني كثيرًا ما يتأرجح، لذلك لا يتوانى عن مدّ يده، وعن احتضان الشكّ، لا ليثبّته، بل ليبدّده.
من يظنّ أنّه لم يشكّ قط، لم يذق حلاوة الإيمان الحقيقيّ، فالإيمان في جوهره هو اختيارٌ متجدّد، يولد أحيانًا من صراع داخليّ، ومن جراح الحياة. لكن، ما من إيمان صادق لا يمرّ من وادي الأسئلة، وما من إيمان حيّ إلا وعرف في وقتٍ ما ظلال الشكّ، تمامًا كما عرف بطرس العاصفة عندما أبعد نظره عن المسيح، وكاد يغرق، لا لأنه فقد إيمانه، بل لأنه سمح للخوف أن يعلو عليه.
لكن صراخ الإيمان، حين ينبثق من أعماق القلب، يلاقي على الفور يد الرب ممدودة. فالرب لا يخذل المتوكّلين عليه، بل يُقيمهم، ويثبتهم، ويمشي بهم على المياه الهائجة.
لذلك، لا تدَع الشكّ يسكن قلبك، ولا تمنحه سلطانًا على حياتك. اجعل الرب أمامك في كل حين، فحيث يكون الإيمان، يُطرد الخوف، وتُسكت العاصفة، ويشرق السلام.
تشبّث بإيمانك، أيها القارئ العزيز، فهو كنزك في هذا العالم، وسلاحك في وجه التجربة، ومرساتك في بحر الحياة. به تحيا، وبه تنتصر، وبه تنعم بطمأنينة لا يعرفها إلّا من اتّكل على الرب دون سواه.