هو الآتي مِن "أقاصيَ الأرضِ" كانَ الأكثَرَ إدراكاً لِجَوهَرِيَّةِ وَوجودِيَّةِ لبنانَ، بإتِّحادِهِما الأقنومِيِّ الواحِدِ وَتلازُمِهِما... مِن كُلِّ اولَئِكَ المُتَلَبِّسينَ إسمَ لبنانَ، المُستَطيِّبينَ خَنْعَةَ الإستِعلاءِ بإصطِناعِ التَباكِيَ عَلَيهِ. هَؤلاءُ الَذينَ، في تَسَلُّطِ مَواقِعِهِمِ، كانَ أكثَرَ مَن إستَلَّ كَلِمَتَهُ لِيَطرَدَهُم عَن هذا الُلبنانَ الذي عَرِفَهُ وأحِبَّهُ... وَهُم جَعَلوهُ مَغارَةَ مُجرِمينَ وَلُصوصَ.

سِرُّ لبنانَ وَجَوهَرِيَّةُ وجودِيَّتِهِ: الإيمانُ والفِكرُ. وَهُما: الكيانِيَّةُ والذاتِيَّةُ، الإغداقُ والظُهورِيَّةُ، المُعطى مِن فَوقَ والكَمالُ المِن هُنا. بِهِما غَلَبَةُ الإنكِسارَ، مِن هَتفَةِ الأبَدِ الى سُكونِ الأزَلِ.

ذاكَ لبنانُ الحَبرُ الأعظَمُ البابا فرَنسيسُ. وَهو في الآلامِ المِفصَلِيَّةِ، أعلى فِعلَ الإعتِرافِ بِهِ قانونَ إيمانٍ.

قُلتُ: الإيمانُ؟ ها هوَ، في رِسالَةٍ الى جَميعِ الُلبنانيِّينَ، ميلادَ العامِ 2020، يَشهَدُ: "عَظَمَةُ الأرزِ في الكِتابِ المُقَدَّسِ أنَّهُ رَمزُ الثَباتِ والإستِقرارِ والحِمايَةِ. هو رَمزُ الصِدّيقِ، المِن خِلالِ تَجَذُّرِهِ بالرَبِّ، يَعكِسُ جَمالاً وَهَناءً، وَفي الشَيخوخَةِ يَرتَفِعُ عالِيًا وَيُعطي ثِمارًا وَفيرَةً." وَيَستَشهِدُ: "أُناشِدُ الزُعَماءَ السِياسِيِّينَ والقادَةَ الروحِيِّينَ، مُستَعيرًا هَذا المَقطَعَ مِن إحدى الرَسائِلَ الراعَوِيَّةِ لِلبَطريَركِ الياسَ الحوَيِّكَ: "أنتُمُ أيُّها المُسَلَّطونَ (...)، أنتُمُ يا قُضاةَ الأرضِ، أنتُمُ يا نوّابَ الشَعبِ، الذينَ تَعيشونَ نِيابَةً عَنِ الشَعبِ، (...)، أنتُمُ مُلزَمونَ، بِصِفَتِكُمُ الرَسمِيَّةِ وَوِفقًا لِمَسؤولِيَّاتِكُم، أن تَسعَوا وَراءَ المَصلَحَةِ العامَّةِ. وَقتُكُم لَيسَ مُكَرَّسًا لِمَصالِحِكُم، وَشُغلُكُم لَيسَ لَكُم، بَل لِلدَولَةِ وَلِلوَطَنِ الذي تُمَثِّلونَهُ."

قُلتُ الفِكرُ؟ ها هو، في الَيومِ الخَصَّصَهُ لِلبنانَ في الكُرسيِّ الرَسوليِّ، 1 تَمّوز 2021، يَستَشهِدُ وَيَشهَدُ: "هَذِهِ صَرْخَةَ إمرأَةٍ إلتَقَتْ يَسُوعَ، وَكانَت تَحديدِاً مِن جِهاتِ صُورَ وَصَيدا. تَوَسَّلَتْ إليهِ بِقَلَقٍ شَديدٍ وَبِإلحاحٍ: "أَغِثْني يا رَبّ!" هَذِهِ الصَّرخَةُ أصبَحَتْ اليَوم صَرخَةَ شَعبٍ بِأكمَلِه... وَنَحنُ نُكَرِّرُ الكَلِماتِ المُفعَمَةِ بالرَجاءِ لِلشاعِرِ جُبرانَ خَليلِ جُبرانَ: وَراءَ سِتارِ الَليلِ الأَسوَدِ هُنَاكَ فَجرٌ يَنتَظِرُنا... مُستَلهِمينَ كَلِماتَ الشاعِرِ، فَلنَعتَرِف أنَّهُ لَيسَ مِن طَرِيقٍ آخَرَ لِبُلوغِ الفَجرِ سَوَى الَليل... مَعًا... يُمكِنُنا أن نَحمِلَ النُورَ إلى الأماكِنَ المُظلِمَةِ."

أجَل! لا تَغَرُّبَ في لبنانَ فرَنسيسَ، بَل إقتِداءَ البَقاءِ في صَلابَةِ مَعرِفَةِ الذاتِ الكيانِيَّةِ. الحَسمَ في أكثَرَ حِقَبِ التَكوينِ والتَقريرِ خُطورَةً مَصيرِيَّةً.

واللهُ في كُلِّ هذا؟

ألبابا فرَنسيسُ يُغَيِّبُ اللهَ؟

ها هو في يَومِ لبنانَ الفاتيكانِيِّ، يَعتَرِفُ مؤمِناً: "نَحنُ لا نَتْعَبْ مِنَ الإبتِهالِ إلى السَماءِ وَطَلَبِ السَلامَ الذي يَعجَزُ عَن صُنعِهِ الناسُ علَى الأرض. لِنَطلُبْهُ بإلحاحٍ مِن أجلِ لبنانَ. هَذا البَلَدُ الحَبِيبُ، كَنزُ الحَضارَةِ والحَياةِ الرُّوحِيَّةِ، الذي شَعَّ الحِكمَةَ والثَقَافَةَ عَبرَ القُرُونِ."

وها هو في اليَومِ عَينِهِ، مؤمِناً يَعتَرِفُ: "آيَةً قالَها اللهُ يَومًا في الكِتابِ المُقَدَّسِ، يَتَرَدَّدُ صَداها اليَومَ بَينَنا، وَكأنَّها جَوابٌ لِصَرخَةِ صَلاتِنا. هِيَ كَلِماتٌ قَليلَة يُعلِنُ بِها اللهُ أنَّ أفكَارَهُ "أَفكارُ سَلامٍ لا بَلْوَى" (إرميا 29/11)... في أوقاتِ البَلْوَى، نُريدُ التَأكيدَ بِكُلِّ قُوَّتِنا أنَّ لبنانَ هو، وَيَجِبُ أن يَبقَى، مَشرُوعَ سَلامٍ... كَفَى إستِخدامُ لبنانَ والشَّرقِ الأوسَطِ لِمَصالِحَ وَمَكاسِبَ خارِجِيَّةٍ!"

اليَومَ، اليَومَ، إذ تُوَدِّعُهُ تُرابِيَّتُنا في عُبورِهِ لِمَلَكوتِ السَماءِ، أدرَكنا لِمَ رَفَعَ على مَذابِحِنا شَهادَةَ شُهَداءِ إيمانٍ بالدَمِّ: الأَبَوَينِ البْعَبداتِيَّينِ ليونار مِلكي وَتوما صالِح، وَقُدوَةَ القُدوَةِ الشاهِدَ-العَلَّامَةَ البَطريَركَ إسطِفانَ الدويَهي.

لبنانُ-فرَنسيسُ: الإيمانُ والفِكرُ. اللهُ المُتَأنسِنُ وإنسانُ الأُلوهَةِ. الواجِدُ-الإستِثناءُ والإستِثناءُ-المَوجودُ. فِعلُ وِجدانِ الجَوهَرِ-الوجودِيِّ.

شُكراً، أيُّها البابا القِدِّيسُ!