أكد وزير المال ياسين جابر، في حديث لصحيفة "الشرق الاوسط" أن إعادة أموال المودعين في المصارف ستتم على 3 مراحل متتالية، واصفا لقاءاته على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن بأنها "كانت جيدة إجمالاً"، لافتاً إلى أهمية هذه الزيارة من أجل "ردم الهوة التي بُنيت عبر سنوات. هوة الثقة بيننا وبين المجتمع الدولي، وبيننا وبين إخواننا العرب أيضاً".
وإذ عرض لاجتماعات عقدها اجتماعاً مع ممثلي صندوق النقد الدولي لتقديم "إصلاحات ضرورية" أقرتها الحكومة اللبنانية، قال إن "هذه في الحقيقة إصلاحات لا نقوم بها كرمى أحد ما، لا نقوم بها كرمى لصندوق النقد الدولي، بل هي إصلاحات كرمى لبلدنا، كرمى لنا، وكرمى لشعبنا".
وتساءل جابر: "إذا أردنا أن نصلح قطاع الكهرباء فليدفع اللبناني فاتورة أقل، ويحصل على خدمة 24 ساعة، بدل إضاءة المولد وإطفائه ودفع اشتراك لمولّد الحي، فمَن أخدم بذلك؟ صندوق النقد الدولي؟ أم أخدم شعبي؟ عملياً، أعتقد أننا قطعنا مرحلة في ردم هذه الهوة». ووصف جابر تصويت مجلس النواب أخيراً على قانون التعديلات في السريّة المصرفية بغالبية 87 صوتاً بأنه "تصويت ثقة على الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة اللبنانية"، التي أعدَّت مشروع قانون آخر حول إعادة تنظيم القطاع المصرفي، وأحيل إلى لجنة المال التي "ستقوم بدراسته بشكل سريع وسيذهب إلى الهيئة العامة" لمجلس النواب.
واعتبر جابر أن "لبنان اليوم أولوياته غير عمودية. لبنان أولوياته أفقية. كل شيء أولوية عندنا: اتفاق مع صندوق النقد. اتفاقات مع البنك الدولي. معالجة موضوع الديون الخارجية التي حصل تخلف عن تسديدها. موضوع إصلاح المصارف. موضوع المودعين وإعطائهم حقوقهم وأموالهم" وغير ذلك.
وكشف جابر أن الحاكم الجديد لمصرف لبنان، كريم سعيد، يُعِدّ "دراسة لكيفية إعادة هيكلة المصارف وكيفية العمل على إعادة أموال المودعين"، مشدداً على أن "أي قطاع مصرفي في العالم لا يستطيع إعادة كل الأموال لكل المودعين في نفس الوقت. ستكون هناك مراحل: المرحلة الأولى لمتوسطي الدخل، لمن لديهم 100 ألف دولار ونزولاً. هؤلاء ستكون لهم الأولوية لأنهم يشكلون 84 في المائة من مجموع المودعين".
ومن ثم المرحلة الثانية التي ستأتي "بسرعة لمبالغ أعلى، ممكن تصل إلى حد 500 ألف دولار، أو إلى حد المليون، ومن ثم أعلى. الخطة ستصدر متكاملة مع بعضها، ولكن التسديد سيكون على مراحل". واضاف :"نحن بحاجة كبيرة إلى قطاع مصرفي فاعل. ولكنه سيكون قطاعاً مصرفياً لديه الرسملة الكافية، ولديه الالتزام بكل المعايير الدولية"، موضحاً أنه إذا لم يتحقق ذلك "يمكن أي مصرف الاندماج مع مصرف آخر، يمكن أن تندمج 3 مصارف مع بعضها البعض لتحقيق الغاية".
ونبَّه إلى أنه "بسبب الاقتصاد النقدي، وُضعنا على اللائحة الرمادية. وللخروج من اللائحة الرمادية يجب أن تعود الأموال إلى المصارف، ونعود إلى حياة مصرفية عادية".
وعن طلب الأميركيين إغلاق جمعية "القرض الحسن" أكد جابر أن "هذا موضوع يهتم به حاكم مصرف لبنان وليس لدينا. طبعاً سنرى ماذا سيحصل".
وتحدث جابر عن مخزونات لبنان من الذهب، مؤكدا ان "هذا المخزون يعطي ثقة أن لدى مصرف لبنان موجودات، وأنه قادر على أن يكون موضع ثقة للمستقبل عندما يقوم بدوره الصحيح"، مضيفاً أنه "حصل للأسف الشديد بعض السياسات الخاطئة في السنوات الماضية من خلال الحاكم السابق سيتم تفاديها الآن". وأكد أن "تسييل الذهب غير وارد الآن. لماذا؟ لأنه أولاً قرار تسييل الذهب لا هو بيد حاكم مصرف لبنان، ولا هو بيد وزير المال، ولا هو بيد الحكومة حتى. هذا يحتاج إلى الذهاب لمجلس النواب لاتخاذ قرار هناك. هذا الأمر ليس موضع بحث".
ورداً على سؤال عما تعتبره الإدارة الأميركية "الفيل في الغرفة" اللبنانية، وهو "حزب الله" وسلاحه، أجاب جابر بأن "الجيش اللبناني ينتشر ويقوم بدوره في الجنوب وينفذ الاتفاق أو قرار الأمم المتحدة (1701) بدقة"، مشيراً إلى أنه "إذا أردنا للجيش أن ينتشر ويمسك البلد، فنحن نتمنى الجيش. ولكن ألا نريد أن نعطيه إمكانيات؟ ألا نريد أن نقوم بشكل منظم؟".
وذكر بأن "رئيس الجمهورية متسلّم هذا الملف، ويتعامل معه بحكمة، وهو أمضى ثماني سنوات قائداً للجيش، ويعرف الأرض ويعرف الظروف ويعرف الإمكانيات. أحياناً يحصل ضغط، ونحن لا نزال الآن أخذ قرار مجلس الوزراء بتطويع 4500 جندي جدد. وحتى اليوم لم يقدر على إتمام العشرة آلاف جندي المطلوبين للذهاب (إلى الجنوب)؛ فهذه الأمور تأخذ وقتاً، وأعتقد أن الأطراف كلها، بما فيها الحزب يقولون: "نحن نحترم الجيش ونريد التعاون معه"، . وكذلك قال إن "رئيس الجمهورية يقول إنه سيُتِمّ العمل على تحقيق سياسة دفاعية، وسيدعو إلى اجتماعات، ولكن لنعطِه وقتاً".
وتكلم جابر عن فتح العلاقة مع السعودية وبقية الدول العربية، فقال إنه "من الطبيعي أن نكون في الحضن العربي" لأن لبنان ينتمي الى هذا العالم العربي. واللبنانيون اليوم منتشرون بمئات الآلاف في الدول العربية، بما فيها السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والعراق، واصفاً العلاقات مع هذه الدول بأنها "ممتازة للغاية". وأضاف: "يدنا ممدودة وسنسعى بكل جهدنا لتكون لدينا أفضل العلاقات مع أخواننا العرب".
وكذلك وصف الدول العربية بأنها "الأخ الأكبر. لديها حرص على لبنان"، الذي هو "دولة صغيرة وللأسف الشديد لا تستعمل كل القدرات التي عندها. أنا في رأيي أن أخواننا العرب في حديثهم وفي حديثنا معهم ضنينون على لبنان ويريدون للبنان أن يكون أفضل. هم يحبون العودة الى لبنان".
واعتبر أن "الذي مررنا به لا دولة يمكنها تحمله"، لأنه حصل في لبنان انهيار مالي عام 2019، وانفجار نصف نووي في 2020، وكوفيد جلسنا ككل العالم متعطلين، وبعدها فراغ رئاسي، وحكومة تصريف أعمال لا تستطيع اتخاذ قرار، وبرلمان معطل لأن قسماً يقول إنه إذا لم يكن هناك رئيس لا مجلس نواب يشتغل، ومن ثم حرب 13 شهراً. من يقدر على تحمل كل هذه مع بعضها، غير ما تحملناه قبلاً.
وتمنى على العرب "ألا ينسوا أننا احتضنا مليونين من السوريين"، موضحاً أنه يقول للأميركيين: "يا ترى إذا استقبلت الولايات المتحدة 120 مليون مكسيكي لسنتين، ماذا يحصل فيها؟ فلبنان احتمل كثيراً. ولبنان يقوم بجهد كبير حتى يقوم بإصلاحات بنيوية وحقيقية بكل قطاعاته وأن أخواننا العرب والعالم يقفوا بجانبه".