تتسارع التطورات والمواقف والأحداث على الساحة الداخلية وتزيد من مخاوف الانزلاق في متاهات معروفة البداية ومجهولة النهاية، وذلك في ظل سلسلة من الملفات المفتوحة على الاحتمالات كافة وهي تتوزع بين الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فتدفع بالأوضاع إلى حافة الهاوية وتضع البلاد على فوهة بركان قابل للانفجار في كل لحظة.
وبالرغم من الهموم السياسية والاقتصادية، سجلت الساعات الأخيرة تقدماً للهموم الأمنية على ما عداها، خصوصاً بعد جولتين من المواجهات في مخيم عين الحلوة، الذي بات يشكل بدوره بؤرة أمنية توازي بخطورتها المستنقع الطرابلسي، انعكست ليلاً توتراً في محيط مسجد بلال بن رباح الواقع على مقربة من المخيم المذكور، وفي الوقت ذاته على مرمى حجر من مدينة صيدا، الشاهدة على عمليات كر وفر مستمرة، منذ أن اطلق امام المسجد المذكور أحمد الأسير حركته المناهضة لحزب الله، والتي بدأت تشق طريقها على خطى الحركات الأصولية والسلفية المنتشرة بكثافة على مساحة الشمال وفي قسم من البقاع، فحولت الأول الى محمية أمنية وحديقة خلفية للمعارضة السورية ومسلحيها، والثاني الى جبهة مفتوحة على الأرياف السورية.
ليس بعيداً عن ذلك، تتخوف مصادر أمنية مطلعة من انفجار أمني محسوب هذه المرة ينذر باشعال الفتنة السنية الشيعية، خصوصاً بعد أن ثبت قطعاً أن حركة الأسير ليست سوى واحدة في عداد الخلايا السلفية النائمة منذ زمن، وهي بدأت تتحرك بتنظيم لافت وتنسيق يطرح أكثر من علامة استفهام حول الجهة المحركة والمخططة والممولة على حد سواء، وتعتبر المصادر في هذا السياق أنّ حراك الأسير في صيدا تحول إلى اشارة انطلاق لحركات مماثلة في الشارع الطرابلسي والبقاعي والبيروتي في وقت واحد وبتنسيق لافت، الهدف منه ارباك القوى الأمنية وحشر الجيش اللبناني في زاوية يصعب الخروج منها، لاسيما بعدما أثبتت أحداث عرسال وما رافقها من مواقف أن الغطاء السياسي لم يتوفر بعد للجيش والقوى الأمنية، وأن كل ما يحصل راهناً يدخل في دائرة لعبة الأمن بالتراضي وتحت سقف الشروط السياسية.
الاكثر غرابة هو أن هذه الخلايا مجتمعة والموزعة بشكل مدروس تجد دائماً الحاضنة السياسية على أرفع المستويات، على حدّ تعبير المصادر المطلعة، التي توضح أنّ الأسير يتحرّك في صيدا مدعوما من تيار سياسي بارز ومموّلا من جهات داخلية وخارجية، كما أنّ المجموعات المماثلة في عاصمة الشمال تتحرّك في طرابلس بغطاء سياسي توفره لها إحدى المرجعيات المعروفة، والأمر نفسه يسري على الجيوب التي تتنامى بسرعة قياسي في عكار والتي يشكل "الجيش السوري الحر" عصبها الرئيسي، مع الاشارة الى أن المصادر الأمنية تتحدث عن خمسة وعشرين الف مسلح أتوا من سوريا، وهم يتوزعون على المناطق الحساسة التي تشكل تماساً محتملا مع حزب الله. وتلفت المصادر إلى أن متابعة هذه الخلايا وحاضناتها السياسية والشعبية تظهر بوضوح أن عملية انتشارها مدروسة للغاية ومنسقة بما فيه الكفاية بحيث اصبحت جاهزة بشكل أو بآخر لاعاقة حركة "حزب الله" وارباكها، إن لم يكن استدراجه إلى معركة مفتوحة.