يستمر الاشتباك السياسي بوتيرة متسارعة وساخنة، من دون إحراز أي تقدم يتيح إيجاد تفاهم حول قانون توافقي للانتخابات، بل إن الأمور آخذة إلى مزيد من التصلّب في المواقف بين مكونات الأطراف الأساسية، ما يعني أن مصير الانتخابات ما زال مجهولاً، وأغلب الاعتقاد أن التأجيل سيد الموقف.
وإزاء "الكباش" السياسي الحاصل، فإن إمكانية التفاهم شبه مستحيلة، ما يعني أن قانون اللقاء الأرثوذكسي سيُعاد وضعه على الطاولة، وقد يُضطر رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى طلب عقد جلسة عامة للتصويت عليه من ضمن مناخ الاشتباك العام.
وتقول مصادر واسعة الاطلاع، إن الرئيس بري مستاء للغاية من قيام رئيس الجمهورية ميشال سليمان على توقيع دعوة الهيئات الناخبة، وكذلك من رئيس الحكومة، الذي وقّع القرار من دون التنسيق معه، وهذه الحركة حصلت فوراً بعد زيارات مفاجئة قامت بها السفيرة الأميركية مورا كونيلي، دعت إلى إجراء الانتخابات في موعدها من دون تأجيل، وهو الموقف الذي أعلنته من باب عين التينة بعد لقائها الرئيس بري، الذي سمعها عبر وسائل الإعلام، مما زاد في حنقِه عليها.
في الجهة المقابلة، يعتبر الرئيسان سليمان وميقاتي المتضامنان "ضمناً" ضد "الأرثوذكسي"، أنهما تصرفا على أساس الحق الدستوري في تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، وهذه الخطوة، وإن اعتبرها البعض مبرَّرة، لكنها أظهرت الهوة السياسية المتباعدة، ليس مع الرئيس بري فحسب، بل مع مكونات الأكثرية المشكّلة للحكومة، ووُضعت كسلاح في وجه الأكثرية لإعادة إحياء قانون الستين، رغم الكلام المجمّل الذي يحاول إخفاء الوقائع.
أما على جبهة وليد جنبلاط، الذي عاد إلى التنسيق مع "المستقبل"، بعدما جمعتهما "مصيبة" الأرثوذكسي، فقد حاول اختراع اقتراح يقوم بالدرجة الأولى والأخيرة على الاحتفاظ بالحصص النيابية له ولسعد الحريري، من دون زيادة أو نقصان، عبر قانون يقسم الدوائر على قياسهما، وتوزيع بعض الفُتات على عدد من الأقضية، على قاعدة 70 نائباً أكثرياً و58 نائباً نسبياً.. هذا العرض، وفق أحد نواب "المستقبل"، وصل إلى الرئيس بري، فأبلغ به حلفاءه الأساسيين؛ "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، فرفضا الأمر جملة وتفصيلاً.
وبناء عليه، فالانتخابات ذاهبة إلى التأجيل، وما هو معروف عنه اصطلاحاً بالتمديد التقني المقرر مبدئياً في أيلول المقبل، بحسب مصادر سياسية عليمة، علّ هذه الفسحة من الوقت تكون كافية للتوصّل إلى صيغة تفاهم مقبولة.
وتعرف أطراف اللعبة السياسية جميعها تلك الحتمية إذا لم يتوصلوا إلى قانون المناصفة، لكن هؤلاء يتقاذفون كرة التأجيل، ويتبرأ الكل من دم هذا الصديق على قاعدة الغموض البنّاء.
وبحسب مصادر مواكبة، فإن الشهر المقبل قد يرسم معالم لوحة الانتخابات تمديداً أو إجراءً باحتمال يوازي الصفر، والسؤال الذي اقترحه عدد من السياسيين في الأروقة الضيقة: هل هناك قرار غربي بنقل لبنان من منظومة الاستقرار الهش، إلى منطقة الاشتباك؟ وهل يتحمل الغرب تلك المخاطرة؟
أمام هذا المشهد الملبّد، يعيش لبنان أياماً مفصلية، فإما أن تؤدي إلى تكثيف الغموض السلبي، وإما التوافق سريعاً، خصوصاً أن الرئيس بري وجد نفسه مخدوعاً، وكان من المفترض أن يُعطى علماً بأي خطوات هامة، إذا اعتبرنا وجود "الترويكا" في الحكم، وهذا ما جعل سيد عين التينة يعيش حالة من الغضب، وإما انتظار لحظة سياسية قد تأتي من دائرة التفاهم (الغربي - الإيراني - الإقليمي)، على اعتبار أن لبنان يعيش في مظلة هذا التفاهم، لإبعاده عن اضطراب واسع حتى الآن على الأقل.