قداسة الحبر الاعظم فرنسيس الأوّل الكلّي القداسة،
تحية عطرة بالرب يسوع وبعد،
أنا الموقِّع أدناه، ابن هذا الكون الفسيح، ابن الكنيسة الكاثوليكيّة، ابن الشرق مهدُ الديانات، ابن لبنان بلد الرسالة، ابن زحلة عاصمة الكثلكة في الشرق. أكتب إليكم هذه الرسالة في بداية عهدكم الحبريّ، لأعبِّرَ عن آمالي وآمال إخوتي في الإنسانيّة، في المسيحيّة، في الشرق، في بلدي وفي مدينتي.
إنَّه يومٌ تاريخيّ، يوم انتخابكم حبراً أعظماً، خليفةً لبطرس، راعياً للكنيسة الكاثوليكيّة أجمع وأسقفاً على مدينة روما المدينة الخالدة. إنَّه يومٌ تاريخيّ، للبشريّة جمعاء حيث حُفِرَ اسمكم في مُعجم رجال الكنيسة والألفيّة الثالثة. إنَّه يومٌ تاريخيّ، للكنيسة أجمع، لاسيما الكاثوليكيّة التي تدُقُّ أجراسها اليوم فرحاً، والتي تستقبلكم في أرحابها حبراً وراعياً، أباً وأخاً، معلّماً ومُرشداً، رجلاً للسلامٍ وللحوار وحاملاً نور المسيح الذي يُضيء للجميع. إنَّه يومٌ تاريخيّ، لكلِّ مسيحيٍّ كاثوليكيٍّ ينظر إلى حاضرة الفاتيكان كمقرٍ لخليفة الرسل القديسين حيث ينتظر منكم شهادة الإيمان الحيّ وتلقي تعاليم الكنيسة بشوقٍ، مجدِّداً طاعته للمسيح ولكم يومياً.
بهذا اليوم التاريخيّ، نحن أبناء هذا العالم نهنِّئكم ونتمنى منكم: أن تكونوا الضمير الحيّ للعالم، أن تبنوا الحضارات، أن تشاركوا في حوار الأديان، أن تنظروا إلى كلِّ فقيرٍ محتاج، أن تهدِّموا جدران الانغلاق على الذات، أن تفتحوا قلبكم للجميع. أملنا كبير بكم، أيها الأب الجليل، وها نحن نمدُّ أيدينا لكم لبناء مجتمعٍ مُسالمٍ وحضاريّ، لبناء إنسان اليوم التكنولوجيّ، لنعمل من أجل منح كلِّ فردٍ حقوقه الطبيعيّة على الأقل، لزرع المحبة في قلب كلِّ إنسان وللعيش معاً بطمأنينة ووئامٍ واضعين أمام أعيننا الخير العام والسلام للجميع.
بهذا اليوم التاريخيّ، نحن مؤمنو الكنيسة الكاثوليكيّة، نقدِّم لكم طاعتنا البنويّة ونرفع صلاتنا من أجلكم، يا خليفة بطرس، ناظرين إليكم: كممثل للمسيح على الأرض، كمعلِّم لأبناء الكنيسة الواحدة على غرار الرسل الأبرار وآبائنا القديسين، كمقدِّس كنيسة المسيح ببركاتكم، كمُرشد لحياتنا الروحيّة، كمشدِّد لإيماننا المستقيم، كمُرافق لصلاتنا اليوميّة، وكبان لكنيسة بشر. نحن اليوم، نصفِّق لكم بارتدائكم الثوب الأبيض، آملين منكم أن تكونوا صورة مُصغَّرة لفادي الكون والبشريّة.
بهذا اليوم التاريخي، نحن أبناء الشرق المسيحيي، نُهدي إليكم أرضنا المقدَّسة التي بانتظاركم، نقدِّم إليكم شرقاً نبعاً للأديان، وعالماً جوهوه الله. أنتم ذاك الأب: الذي ننتظره ليزرع سنابل السلام المتلألئة في كرْم الشرق، الذي يعلَّم أولاده المحبة الأخويّة بالرغم من الاختلاف، الذي يشجِّع أولاده على العيش المشترك، الذي ينادي وينشر السلام في العالم، الذي يتبارك من الأرض المقَّدسة. أملنا كبير بالدور الذي ستقومون به: في حلِّ النزاعات والصراعات في العالم العربي، في بسْطِ سراج الحوار والتفاهم، في تغريد نشيد المحبة، في هدم البغض والكراهيّة، في وقف هدرِ دماء الشهداء وفي إحلال المحبة والتوافق بين الجميع.
بهذا اليوم التاريخيّ، نحن أبناء بلد الأرز الشامخ، نهديكم يا صاحب القداسة ما أهدَيْناه للكنيسة الجامعة من قديسين وطوباويِّين ومكرَّمين ورجال الله، نهديكم عطر قداسة أرض شمالنا الزكيّة، دم شهداء جنوبنا البواسل، سهل بقاعِنا الشاسع، نهديكم عاصمتنا بيروت مدينة التعايش. ننظر إليكم نظرة صاحب قضيةٍ ما إلى محاميه، نظرة مَن يُنعِش ويشجِّعٌ حياة التضامن والوحدة، نظرة المتجوِّل في الصحراء الذي يبحث عن نبع المياه المروية، نظرة الوردة التي تنتظر ساقيها لإنعاشها، نظرة ابن الحرب لحامل السلام ونظرة ابنٍ مؤمنٍ لأبيه الذي يقوده ويثبِّته ويقوِّيه بإيمانه. دوركم الكنسي هو كدَور كلُّ بطريركٍ وراعٍ لنا، إيمانكم بالمسيح الفادي هو الذي يشدِّد عزمنا بالمخلِّص وولاؤنا للكنيسة الجامعة ولخادمها الأوَّل هو ثمرة حبّنا ليسوع المسيح.
بهذا اليوم التاريخي، نحن أبناء مدينة زحلة عاصمة الكثلثة، نفتح أيادينا الممتلئة من كرم عِنَبِنا الصافي لتقديمها إليكم يا أيها الحبرُ الجليل، مؤكِّدين محبتنا لكم، آملين ومصلِّين معكم من أجل تقديس ابن زحلة البار الأب الراهب بشارة أبو مراد في عهدكم. ما نطوق وما نأمل منكم أن ترَوا مدينتنا زحلة عروسة البقاع كيف تتحلّى ببهاء تنوعها الكنسيّ والطائفيّ وأن تجعلوا منها مدرسةً وعاصمةً للطوائف المسيحيّة في الشرق.
إليكم يا صاحب القداسة كلَّ محبتي البنويَّة وإيماني بكنيسة المسيح الواحدة المتحدة.
لسنين كثيرة يا سيِّد.