أخيراً تراجعت إدارة أوباما عن محاولاتها السابقة لتنحي الرئيس الأسد كشرط لأي حل سياسي في سورية، فقبل الدعوة الصريحة والواضحة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري المعارضة السورية إلى الحوار المباشر مع النظام في ظل الرئيس الأسد، كانت الولايات المتحدة تريد الإطاحة بالنظام، ثم تراجعت إلى القبول بفكرة الحل السياسي، ثم تراجعت مرة ثانية إلى التخلي عن شرط التنحي.
يدفع هذا التراجع إلى تسجيل الملاحظتين الآتيتين:
أولاً: أن الولايات المتحدة التي شنت مع حلفائها هجوماً قوياً في سورية بكل أنواع الأسلحة العسكرية والإعلامية والأمنية، لم تتمكن من تحقيق هدف إسقاط النظام كما كانت تتوقع.
ثانياً: أنها لم تتمكن بمفردها من تقرير مستقبل سورية، ولو استطاعت لفعلت، لذا قبلت واشنطن بالدور الروسي ليس كشريك أساسي فقط، إنما كمرجعية للحل في سورية.
ماذا يعني هذا التراجع بالنسبة إلى الأزمة السورية؟
هنا أيضاً يمكن تسجيل الآتي:
- إن قبول واشنطن بالحوار مع النظام لا يعني التخلي عن القنوات الأخرى العسكرية والأمنية، بل ستعمل واشنطن مع حلفائها على تقديم الدعم العسكري إلى المجموعات المسلحة في سورية، كما أعلنت دول الخليج وفرنسا وبريطانيا، وما كشف عن تدريب أميركي لمجموعات سورية في الأردن.. أي ممارسة الضغوط الميدانية لتعزيز أوراق القوة في أيدي الطرف أو الأطراف التي ستتفاوض مع النظام، وهذا يعني أن المعارك ستستمر بضراوة على الأراضي السورية في المرحلة المقبلة.
- إن النظام السوري الذي دعا المعارضة إلى الحوار منذ أشهر طويلة، يبدو بعد سنتين من الضغوط والمواجهات أكثر تماسكاً من المعارضة نفسها، فهذه الأخيرة منقسمة ومشتتة، ليس فقط بشأن الحوار نفسه، بل بشأن الحكومة الانتقالية، وبشأن المجموعات المسلحة، مثل "جبهة النصرة" و"القاعدة" وسواهما، وكذلك بشأن المواقع والمناصب بين الكتل والاتجاهات السياسية والأيديولوجية المختلفة.
- إن فكرة الحوار مع النظام أصبحت فكرة مركزية في البحث عن الحل في سورية، وهذا يعني ضربة كبيرة وخسارة استراتيجية لدول ذهبت بعيداً في مشروع الإطاحة بالنظام، وفي دعم المواجهة المسلحة معه مثل قطر والسعودية وتركيا.. ومهما حاولت هذه الدول تأخير الحوار أو تخريبه، فإنها بلا شك خسرت الرهان الذي قامرت به في سورية، ولن يقتصر أمر هذه الخسارة على تلك الدول لوحدها، بل سيشعر بصدمة تلك الخسارة أيضاً قوى أخرى كثيرة في لبنان تحديداً ربطت مستقبلها السياسي وصعودها الأيديولوجي بمشاركتها في الحرب الإقليمية والدولية على سورية..