السيد حسن نصرالله، تحبُّهُ أو لا تحبّه، فلا تستطيع أنْ تُنْكر عليه، أنّه الرجل المحوريّ الأقوى في المعادلة اللبنانية، ولا تستطيع أن تُنْكر على نفسك إعجاباً ــ ولو خفيّاً ــ بشخصيةٍ جذَّابة إنْ تحدَّثَت، وبقامة ساحرة إنْ أطلَّتْ على الجمهور.
يشدّني الإلحاح اليوم الى مخاطبته هو، وقد رأيت أفاعي الفتنة تطلّ من أوكارها، وألسنةَ النار على التِهابٍ في الأرض كما هي على المنابر. وهناك تحرّكات على الحدود وتهديدات، وجثامين عائدة من الحرب، وجثامين حيّة تشدّ الرحال الى الجهاد. وهناك عمائم تتلاطم بالعمائم، وسواعد مخدَّرة بالتحشيش المذهبي تنهال على الرؤوس المعمَّمة.
وكدتُ أحثُّ الدولة على إصدار الأمر بحزم الأمر، لو لم تكن هناك فتوى تكفِّر الدولة، وتعتبر الحكام مجرمين استناداً الى تفسيرات دينية مستهجنة، كأنما هناك من ينظّم للّه هوّية قيد الدرس، ويسجّله على بيان قَيْده المذهبي.
أخاطب السيد... وقد ضجَّت الأسماع في المجالس والمحافل بوتيرة متصاعدة مما يستهدفه من همس. ولن أُغْفِل دقّة تظهير الصورة حتى لا أُرشق بتهمة التحيُّز له بفعل هوى عاطفي أو مشاعر إنتماء.
إنها سلسلة معطوفة لفظاً على "لو كنت أعلم لما فعَلْت". وهو قولٌ للسيد في أعقاب الحرب الإسرائيلية الأخيرة، فإذا هم بلسانه يردّدون:
ــ ولو كنت أعلم أنّ نصب الخيام وسط العاصمة يؤدي الى انهيار إقتصادي واستثماري لما كنتُ خيّمْت.
ــ ولو كنت أعلم أن المربعات الأمنية فـي الضاحية قد تؤدي الى مربعات مماثلة في طرابلس وصيدا لما ربَّعْت.
ــ ولو أنَّ ارتفاع السلاح فوق هيبة الدولة قد يؤدي الى انتشار جزر السلاح لما كنت بذلك سمَحْت.
ــ ولو أن قطْع طريق المطار قد يؤدي الى شلل سياحي وتشويه سمعة لبنان الدولية لَكُنتُ ذلك قمَعْت.
ــ ولو كنت أعلم أنّ إعلان الإنتماء الى ولاية الفقيه سيؤول الى إعلان إمارات الخلافة لما كنت بذلك جَهرْت.
ولأنّ كلمة "لو" في اللغة العربية يصِفُها مستعرب أجنبي بأنها كفيلة "بإخفاء جبل خَلْف جبل"، فإنّ بطون القواميس كفيلة هي أيضاً من وراء كلمة "لو" بأن تستخرج كل الخلفيات التاريخية بدءاً بيوم "السقيفة" الى "حرب الجمل" وصولاً الى تلك المجزرة الإنسانية في كربلاء.
بلى... أنا أيضاً كنت أربأ بحزب الله عن التورّط في ما يشبه الغزو على بيروت، وكنت أُهيب به وهو العائد المظفّر من تحرير أرض الجنوب، أَلاّ ينزلق الى نصْب الخيام في بيروت من أجل تحرير السرايا الحكومية من الرئيس فؤاد السنيورة.
في المقابل أُكْبِرُ بالسيد فضيلة القول: "لو كنت أعلم..." حيال اتِّهامه باستدراج الحرب الإسرائيلية على لبنان، بالرغم من أن النتيجة أسفرت عن فضيلة تحرير الأرض.
وكم كان للناس من فضائل، ولمنْ قيل: إنهّم زعماء وقيادات ورؤساء أحزاب وميليشيات، لو ينطق "زردشت" واحد منهم بكلمة "لو كنت أعلم" في كل ما خاضوه من حروب الإفناء والإلغاء، وبما خلَّفَتْ من مآسي التدمير والتهجير، ولا يزال ما تخفيه الصدور أكبر.
أيها السيد: حتى لو عُرِضَ عليهم سبُّك فسبُّوك:
سألتك، ولبنان يترنَّح فوق مهاوي المحن والفِتن أن تدعو الى ارتداء القمصان البيض، في انعطافة وطنية شاملة تزخر بالقِيَم المآثر التي جسَّدها مَنْ: "لولاه لما كانت الشهادتان" في مجالات: العفو والسماحة والصفح والعدل والإنصاف والورع، وبما هو "إقدام على الناس مظلومين لا ظالمين، فلا يكون النصر بالجور، ولا يقويَنّ أحد سلطانه بسفك دم حرام"، وحسبك أنت أن تقول معتزّاً.
لأسلمنّ ما سلمتْ أمور المسلمين... وما سلمْت أمور المسيحيين، ولك في ذلك فضلٌ وأجْرٌ عظيم.