لبنان الأخضر.. لوحة رسمها الخالق وشوهها المخلوق، لبنان الأخضر كان أخضر فيما مضى، كان براقا بين الدول، جوهرة بيئية في المنطقة، ولكن.. سياسيو لبنان أحرقوا أخضره وأكلوه يابسا فأصبحت البيئة ضحية لهم ككل الضحايا الذين سبقوا. سياسيو لبنان زرعوا في كل جبل كسارة وفي كل واد مقلع وفي كل سهل مرملة، وجعلوها محميات سياسية ومربعات أمنية، ضاربين بعرض الحائط القوانين والمراسيم التنظيمية ومصلحة المواطن وأهمية الحفاظ على البيئة.
أصدرت وزارة البيئة عام 2002 مرسوما حمل الرقم 8803 لتنظيم عملية إعطاء تراخيص قانونية لاستثمار الكسارات والمقالع والمرامل، وعدلت الوزارة عام 2009 المرسوم 8803 بآخر حمل الرقم 1735، وهو الذي لا يزال ساري المفعول حتى يومنا هذا مع الاشارة إلى أنّ اللجنة الوزارية التي تشكلت في عهد الحكومة الحالية من الوزراء غازي العريضي، محمد الصفدي، حسين الحاج حسن، مروان شربل، علي حسن خليل، ناظم الخوري، شكيب قرطباوي، فريج صابونجيان، والتي كلفت بإعداد صيغة مرسوم تعديلي للمرسوم 1735 تصبو من خلاله إلى إصدار تراخيص قانونية لاستثمار المقالع والكسارات ومحافر الرمل بشكل يوفق بين الحفاظ على البيئة والاستعمال المستدام للموارد الطبيعية من جهة، وتأمين حاجة قطاع البناء إلى مواد البحص والرمل من جهة أخرى، قد أنهت عملها في 21 كانون الثاني الماضي وهو ينتظر رفعه لمجلس الوزراء تمهيدا لاقراره. فما هي هذه التعديلات الجديدة؟
مرسوم التنظيم يتطور
إعتبرت وزارة البيئة في الأسباب الموجبة للتعديل أن تنظيم إصدار تراخيص لاستثمار المقالع والكسارات ومحافر الرمل يضمن للدولة عائدات من ضرائب ورسوم، الامر الذي يشكل مصدراً مالياً لخزينة الدولة، اضافة الى تطبيق مبدأ الملوث يدفع من خلال الاستفادة من الكفالات المصرفية التي تودع لقاء استثمار اصحابها للمقالع والكسارات والمرامل وعبر استخدام هذه الكفالات لاعادة تأهيل المواقع المستثمرة في حال تخلف أحد المستثمرين عن القيام بموجباته المفروضة عليه بموجب قرار الترخيص. هذا الشرح المسهب لرئيس مصلحة الموارد الطبيعية في وزارة البيئة المهندس نديم مروة لـ"النشرة" جاء خلال حديثه حول التعديلات الجديدة التي أقرّتها اللجنة الوزارية للمرسوم 1735 ، فأشار مروة إلى شروط جديدة وضعت لأخذ ترخيص مقلع أو كسارة أو مرمل، وأبرز هذه الشروط هي تنفيذ المرسوم 2366 تاريخ 20/6/2001 وهذا المرسوم هو الخطة الشاملة لترتيب الاراضي اللبنانية والذي صنف المناطق ومنع انشاء مرامل، مقالع وكسارات في مناطق معينة.
وأشار مروة إلى أنّ المرسوم الجديد حدد أيضا المسافات التي يجب أن تفصل بين المقالع والكسارات والمرامل وبين أماكن معينة منها على سبيل المثال لا الحصر المستشفيات، دور العبادة، اماكن السكن، الينابيع، المدارس، المواقع الاثرية، مشيرا إلى أنّ المسافة تقصر في حالة المرامل فقط فهي مثلا 2000 متر بين المقالع او الكسارات ودور العبادة بينما تكون 500 متر فقط بين المرامل ودور العبادة. اضافة الى ذلك قال مروة ان من التعديلات ايضا تحديد المستندات المطلوبة لاستثمار المقالع والكسارات بشكل ادق مما كنت عليه.
المشكلة بالتنفيذ وليس بالمراسيم
من جهة اخرى، رأى لأمين السر المركزي في حزب "الخضر" اللبناني سمير سكاف أنّ المشكلة الموجودة في ملف المقالع والكسارات لا تتعلق بمرسوم أو قانون بل تتعلق بعدم تنفيذ المراسيم والقوانين. وأوضح في حديث لـ"النشرة" أنّ "المشكلة أنّ صاحب المقلع او الكسارة الذي يأخذ الرخصة بناء على شروط معينة تلزمه باستصلاح الارض بعد انتهاء العمل فيها، لا ينفذ هذه الشروط، بحيث يقوم صاحب الكسارة بجعل الارض واديا لا يصلح لشيء ويشوه الطبيعة".
وتطرق مروة في حديثه أيضا إلى كيفية نيل رخص استثمار المقالع والكسارات والمرامل وخصوصا فيما يتعلق بدفع الكفالة المالية بحيث ان هذا البند لا يزال موجودا ولم يتغير بالتعديلات المطروحة، وأشار إلى أنّ "المجلس الوطني للمقالع هو الذي يعطي موافقته على منح الرخص، إلا أنّ هذه الاخيرة تصدر عن المحافظ وليس عن الوزارة، وأضاف: "لا يمكن لطالب الرخصة أن يستلمها إن لم يدفع الكفالة المطلوبة والتي تبلغ كحد أدنى 225 مليون ليرة لبنانية للمقالع والكسارات و200 مليون ليرة للمرامل"، مشيرا إلى أنّ الرخصة تعطى لعام واحد وهذه الكفالة هي أيضا لعام واحد. ولفت إلى أنّ "هذه الكفالة تعاد لصاحبها إذا أعاد تشجير وترتيب المنطقة التي جرى العمل فيها". هذه الكفالة بنظر سكاف لا تساوي شيئا إذ إنّ المبلغ موضوع الكفالة لا قيمة له إذا أرادت الدولة استصلاح الأرض به. وأوضح أنّ "استصلاح الارض يكلف أكثر بكثير من هذا المبلغ البسيط مقارنة بما تنتجه الكسارة"، مشيرا إلى أنّ إنتاج أيّ كسارة متوسطة يبلغ حوالي 70 الف دولار يوميا.
كما عدد سكاف بعض المشاكل التي تواجه عمل وزارة البيئة بما خص الكسارات والمقالع مثل تضارب الصلاحيات بين الوزارات بما يخص المحاسبة، مشددا على اهمية تحديد مرجعية وحيدة لمحاسبة اصحاب الكسارات.
الكسارات محميات سياسية وحلها سيشكل مصدرا من مصادر التمويل الذي تبحث عنه الحكومة، هكذا أنهى سمير سكاف حديثه طالبا رفع دعاوى على أصحاب الكسارات الذين شوهوا لبنان والذين لا يدفعون أيّ ضريبة للدولة. نعم، هذه هي التعديلات الجديدة على مرسوم تنظيم عملية إعطاء تراخيص قانونية لاستثمار الكسارات والمقالع والمرامل، هذه التعديلات هي الثالثة على المرسوم الأساسي رقم 8803، تعديلات مهمة بالطبع إلا أنّ الأهم هو التنفيذ والالتزام بالقوانين والمراسيم المرعية الاجراء، لأنّ جمال لبنان أغلى بكثير من كسارة هنا ومقلع هناك.