تعرّضت المعارضة السورية في الأيّام القليلة الماضية لثلاث ضربات قاسية، تمثّلت بكل من الإنفجار الذي إستهدف مؤسّس وقائد "الجيش السوري الحرّ" العقيد المنشقّ رياض الأسعد، وبإستقالة رئيس "الإئتلاف السوري المعارض" أحمد معاذ الخطيب، وبرفض أجنحة المعارضة السورية منح منصب رئيس الحكومة السورية المُوَقّتة إلى غسان هيتو. وهذه الضربة المثلّثة الأضلع – إذا جاز التعبير، فتحت باب التكهّنات والتحاليل بشأن مصير مُظلم ينتظر المعارضة السورية في المستقبل القريب، فهل هذا صحيح؟
بداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الحديث عن أنّ الأمور لا تزال على خير ويرام بعد "الضربة الثلاثية"، هو نوع من المكابرة السطحيّة. فالأكيد أنّ المعارضة السورية تعاني منذ فترة طويلة من غياب القيادة المركزيّة القويّة لها، بجناحيها السياسي والعسكري. وهذا الأمر أدّى حتى اليوم إلى عدم إيجاد أرضيّة صلبة يمكن البناء عليها في إطار الجهود العربيّة والدولية، لإيجاد حُكم بديل لنظام الرئيس السوري بشّار الأسد. والأحداث الأخيرة لا تُساعد على تحقيق تقدّم في هذا السياق، بل العكس هو الصحيح! وغياب الشخصيّة القياديّة المركزيّة لدى المعارضة السورية أدّى إلى غياب الإستراتيجيّة الموحّدة، فهذا يتحدّث عن قبوله بالحوار، وذاك لا يرى إلا القتال سبيلاً لحسم الأمور، وثالث يوافق على التفاوض مع النظام لكن بشروط وبضمانات دولية! وبالشق الأمني، أسفر غياب الإستراتيجيّة الموحّدة عن تفرّق القوى المسلّحة للمعارضة السورية، وعن توزّعها على مجموعات قتالية تدين بالولاء لقوى خارجية مختلفة، وتحظى بالدعم من جهات غير موحّدة الرؤيا ولا الإستراتيجيا. وكل ما سبق، جعل المجتمع الدولي بموقع الحائر والمتردّد، فهو لا يثق بقدرة أيّ فريق من المعارضة السورية على ضبط الشارع، وعلى صرف أموال المساعدات بالشكل اللازم والصحيح، والأهمّ على التحكّم بوجهة إستخدام أي أسلحة هجوميّة يمكن تأمينها له. وهذا ما يفسّر تضارب الآراء الدولية حتى اليوم، بشأن سُبل إنهاء النزف المفتوح في سوريا، وكيفيّة مساعدة المعارضة السورية على تحقيق أهدافها. وطبعاً، إنّ إبعاد الأسعد عن الساحة، يشكّل ضربة معنويّة كبيرة للمقاتلين، تفوق بأهمّيتها التأثير المعنوي لإستقالة الخطيب، أو لرفض تسليم هيتو دفّة القيادة، خاصة بعدما تردّد أنّه كان يحضّر لخطة محكمة للهجوم على دمشق مستقبلاً.
في المقابل، إنّ الحديث عن قرب إنفراط عقد المعارضة السورية هو مبالغ فيه جداً. والسبب أنّ الشخصيّات السياسية التي يتم إختيارها لقيادة المعارضة السورية، هي شخصيّات نشيطة ومناهضة للنظام من دون أدنى شكّ، لكنّها لا تمثّل أكثر من رمز سياسي يمكن تبديله من دون ضرر كبير. فأيّ من الشخصيّات التي توالت على قيادة المعارضة السورية، لا ترقى إلى مستوى الزعامة، بحيث يمكن إنتخاب خلف أو رديف لها، من دون التسبّب بمشكلة في ساحة المؤيّدين للمعارضة داخل سوريا. والخلافات الظاهرة ما هي إلا عمليّات شدّ حبال بين القوى الإقليمية والدوليّة التي تفضّل أن يكون الممثّل الأوّل للمعارضة السورية، قريباً منها وحتى موالياً لها. وما دعوة الخطيب إلى إلقاء كلمة المعارضة السورية في مؤتمر "الدوحة"، إلا محاولة لتعويمه، من قبل الجهة التي تدعمه أكثر من سواها، والتي تضغط عليه للتراجع عن الإستقالة. وبالنسبة إلى الضربة التي أصابت العقيد الأسعد، فهي على قساوتها المعنويّة، لن تغيّر في المعادلة العسكرية القائمة على الأرض. والسبب أنّ المعارضة المسلّحة موزّعة على أطراف عدّة، يمثّل "الجيش السوري الحرّ"، جزءاً منها، بحيث أنّه لا يمون على باقي الوحدات القتالية، ومنها "جبهة النصرة" على سبيل المثال لا الحصر. وحتى ضمن وحدات الجيش السوري المنشقّة، القوى العسكريّة متعدّدة الولاءات، ولا تتبع كلّها للعقيد الأسعد. فبعض الضبّاط المنشقون يعتبرون أنهم أعلى رتبة من العقيد الأسعد، وبالتالي القيادة الأمنيّة يجب أن تكون لهم. وآخرون يتلقّون دعماً مباشراً من مصادر مستقلّة، من غير القنوات التي يعتمدها الأسعد. وفي كل الأحوال، إنّ وحدات المعارضة السورية المقاتلة، هي أقرب إلى ميليشيات الشوارع والمناطق، المستقلّة من ناحية التخطيط والتوجيه، منها إلى الجيش النظامي ذات الهرميّة القيادية الواضحة، وذات الأوامر التي تتدرّج من قائد الجيش، مروراً بقادة الوحدات والضباط، وصولاً إلى العسكريّين على الأرض. وهذا ما يجعلها في منأى من الضرر الكبير، عند النيل من أيّ قائد ميداني لها.
وفي الخلاصة، "الضربة الثلاثية" أضرّت بالمعارضة السورية بشكل كبير، لكنها لن تعدو كونها تفصيلاً صغيراً ضمن الحرب المفتوحة، ولن يكون لها بالتالي آثار مهمّة وجذريّة على الأرض.