... "وكأننا نفتش عن المستحيل"... عنوان يستحق أن نطلقه على رحلتنا التي بدأناها لمقابلة أمين السجل العقاري في منطقة المتن بناءً على موعد مسبق، وهذا ما تؤكده النظرة الملتبسة التي رسمت على وجه تلك المرأة التي استقبلتنا في مركز عمله قائلة: عمّن تسألين؟ "ولا مرة هو هون!"، وبعد أن أكدنا لها أن لدينا موعدا معه قالت: "اطلعي اسألي بالثامن".

لم نعرف يومها ان الموعد الذي حدده لنا بعد اتصالنا به كان بغية التهرب من حقيقة لا يريد مواجهتها خاصة واننا فاتحناه بقضية لم يتجرأ احد قط على التحدث بها. قضية الاراضي في المتن التي تباع للخليجيين دون حسيب أو رقيب، خاصةً وان القانون يسمح ببيع 3% من مساحة كل قضاء لاجنبي، ولا احد يعترف بأن المساحة الحقيقية التي بيعت تخطت هذا الرقم بكثير.

"النشرة"، وبعد إثارتها لملف بيع الأراضي في التعزانية ودلبتا والكفور، تفتح في هذا الجزء قصة قطعة ارض في منطقة العيرون المتنية، رقم العقار 190، لمالكها أمال عيسى الخوري باعها الى امير دولة الامارات الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان، علماً بأن المساحات التي يملكها الامير في تلك البلدة تصل الى 85.099.50 متراً.

بيع أكثر من 3% من الأراضي المتنية للأجانب: حقيقة أم خيال؟

"مين عطاكن رقمي" هذه العبارة سألنا اياها أمين السجل العقاري غالب أبو زين عندما اتصلنا به بدايةً للاستفسار عن موضوع المساحات التي بيعت في المتن، وقد بدا مرتبكاُ لانه أجبر على الحديث في موضوع لا يحبذ التطرق إليه. فهو يؤكد أن المساحات المباعة للأجانب لا تتجاوز الـ3% رغم أنه يدرك جيداً أن هذا الأمر غير صحيح. فكلامه هذا تنقضه الاوراق التي حصلت "النشرة" عليها كما وحديث اغلب رؤساء البلديات الذين يرفعون الصوت اليوم، إذ لم يعد هناك في المتن قطع ارض للبيع واغلبها باتت ملكاً للاجانب.

ويلفت أبو زين الى ان "دور رئيس البلدية هو ان يتأكد الى من تباع الاراضي ولكنه في المبدأ لا يستطيع ان يعرف مسبقاً بعملية البيع وهذا ما نفاه لـ"النشرة" النائب المتني نبيل نقولا الذي يرى ان "رئيس البلدية يستطيع ان يعرف مسبقاً وعليهم ان يطلبوا من امين السجل العقاري ابلاغهم بهذا الامر".

شراء الأجانب للبنان... غنى للثروة العقارية!؟

"النشرة" سعت للبحث عن سبب بيع تلك المساحة الضخمة في العيرون وطرحت العديد من الاسئلة عن سبب شراء الشيخ خليفة بن زايد لها خصوصا وان تلك الارض هي عبارة عن وادٍ يصل العيرون بضهور الشوير. فتعذّر الوصول الى المالك أو اي من السماسرة الذين باعوا تلك الارض. فالكل يرفض الحديث عن الموضوع ويتفاجأ فور طرحنا السؤال عنه، ويقولون "هذه الارض بيعت منذ سنوات ماذا جرى لكم اليوم حتى تفتحوا هذه القضية. أتريدون جلب المشاكل لنا؟".

وفي سياق البحث علمنا ان يوسف ع.، وهو مالك لعقارات كبيرة قد يكون له يدٌ في هذا الأمر فبادرت "النشرة" الى الاتصال به فإذ به يؤكد ان "لا دخل له بالعقار رقم 190 الذي بيع الى اجانب"، ويشير الى انه "مالك كبير لمجموعة من الاراضي ولكنه لم يبع يوما لخليجي أو حتى لاجنبي"، ويرحب "بقضية البيع لاجانب". ويقول: "ان شراء الاجنبي للارض يرفع من سعر الاراضي في الإجمال"، مؤكدا ان "الاجانب اغنوا الثروة العقارية في لبنان". ويضيف: "الدولة تسمح لهم بالشراء والاستملاك ونحن نهرّبهم فكيف ذلك؟"، ويتساءل اخيراً: "هل كان سعر متر الارض على ما هو عليه اليوم لو لم يشترِ الشيخ خليفة الارض في تلك المناطق؟".

إلا أن النائب المتني نبيل نقولا لا يوافقه الرأي، بل يرى أن وجود الغرباء في المتن، الذي بات كبيراً بحيث أصبح القضاء للأجانب، يشكل خطراً، مشيراً في حديثه لـ"النشرة" إلى "أننا ونحن نتلهى بقضايا شراء لبنانيين من منطقة الى اخرى وننسى ان الغرباء اشتروا نسبة عالية جداً من الاراضي في مناطقنا.

ويلفت نقولا إلى أنّ "منطقة المتن ليست كلها صالحة للبناء بل حوالي 30% من مساحة الارض فقط"، ويشير الى ان "20 الى 30% من مساحة الارض الصالحة للسكن اصبحت في يد الغرباء والقيمة السياحية لها كبيرة وهي كلها بيعت على عهد حكومة فؤاد السنيورة".

قانون تملك الاجانب بحاجة الى تغيير

قانون تملك الاجانب يركن في ادراج لجنة الادارة والعدل منذ أشهر. تخرجه بين الحين والاخر لتناقش بعضاً من مضمونه ثم تعيده الى مكانه. وفي هذا الوقت تباع الكثير من الاراضي ذات القيمة السياحية العالية ولا احد يستطيع ان يمنع حدوث ذلك. فرئيس بلدية العيرون يؤكد كسائر رؤساء البلديات الذين تحدثنا معهم انه "لا يستطيع ان يعرف بقصة البيع والشراء قبل ان تتم فعند طلب الافادة ندرك بأن عملية البيع قد تمت ولأي جهة بيعت". ويلفت الى انه " قرأ في الجريدة الرسمية ان تلك الارض في منطقته بيعت الى الشيخ خليفة"، معتبراً أن "قانون تملك الاجانب الذي وضعته الدولة بحاجة اليوم الى تحديث إذا أرادت فعلاً ان تمنع عملية البيع".

وهنا يطالب النائب نقولا "باعطاء صلاحيات لرؤساء البلديات خصوصاً اذا كنا نريد تطبيق اللامركزية الادارية"، كما يشدد على ان " قانون تملك الاجانب طرح بالمجلس النيابي منذ مدة وعلى رئيس لجنة الادارة والعدل روبير غانم ان يسرّع في هذا الموضوع".

سنوات مرت إذاً على بيع هذه الارض العيرونية، والاجانب يستمرون بشراء باقي مساحات المتن. بعض المستفيدين يمدحون ذلك بوصفه "غنى للثروة العقارية اللبنانية"، ولكن في الواقع، فإن ما يجري هو جريمة بحق الوطن: فما المواطن دون وطن؟ وما الوطن دون أرض؟ وما الأرض دون أهلها؟!

تصوير حسين بيضون (الألبوم الكامل هنا)

الاجزاء السابقة من ملف بيع الأراضي للأجانب الذي فتحته "النشرة":

(1) عقارات بـ"الدزينة" تباع لغير اللبنانيين في التعزانية: فهل يصبح اللبناني غريبا في أرضه؟

(2) "تلة الصليب" بأيادٍ سعودية والبلدية ستناضل لاسترداد الأرض

(3) بيع الأراضي للاجانب في الكفور الكسروانية "قد يكون حصل بمرسوم جمهوري" ومسؤولون يسهلون عمليات البيع