لو أردنا تقييم التجربة الميقاتية في الحكم، بعد سنتين حافلتين بالاحداث المحلية والاقليمية، لوجدناها مزيجاً من الوسطية والبراغماتية والديبلوماسية، اضيفت اليها نكهة حريرية، وكللتها حبة اكزوتيكية سُميت "النأي بالنفس".
شاءت الظروف ان يكلف دولته تشكيل الحكومة في زمن الربيع العربي والجحيم السوري، فأتقن السير بين النقاط الى حد، وادرك البعدين الاقليمي والدولي للسياسة المحلية اللبنانية، فأظهر احترافاً في مراعاة السياسات الاقليمية والدولية وبناء شبكة علاقات مشتركة معها ما لبث أن اطمأن الى الحصانة التي منحته اياها.
وما ان لاحت له الفرصة لتحسين ظروفه الحكومية والداخلية، بعودته رئيسا لحكومة وحدة وطنية تجعله محط اجماع وطني واقليمي ودولي، حتى استغلها وقدم استقالة حكومته، مستفيداً الى اقصى الدرجات انتخابيا وطرابلسياً.
ولكن... من يتفرّس في وجه الرئيس ميقاتي، في اثناء لقاء السفير السعودي بالأمس، يدرك ان الرياح السعودية جرت بما لا تشتهي السفن الميقاتية، وان كل ما أقدم عليه اثناء ولايته الحكومية من خطوات حريرية لم تخفف نقمة الحريري الابن عليه إلا شكلا. اما لناحية الفعل، فقد كان الحريري يفضل تسمية الجن الازرق لتشكيل الحكومة على تكليف ميقاتي تشكيلها مجدداً.
غلطة الشاطر بألف، فقد خسر رئيس الحكومة المستقيل معظم شركائه في حكومته، ولم يربح خصومه خارج الحكومة، فبات عليه، من جديد، اثبات نفسه في الانتخابات النيابية المقبلة، ومدى قدرته على ترجمة الشعبية التي حاول استقطابها في مدينته حتى اقصى الحدود الى اصوات وازنة في صناديق الاقتراع، ليس لشخصه فحسب، انما لتشكيل كتلة نيابية معتبرة تتيح له ان يطمح مجدداً لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات.
هل تسمح الظروف للرئيس ميقاتي بتحقيق طموحاته السياسية القائمة على الوسطية؟
التجربة الحكومية الفعلية الاولى، بعد حكومة 2005 الانتخابية، لم تكن مشجعة، وقد كان جميع الفرقاء إن في الموالاة أو في المعارضة في انتظار اللحظة المناسبة للتخلص من عبئها، إما بالقفز منها او باسقاطها، وقد جاءهم الفرج من حيث لا ينتظرون، اذ نجح الترغيب حيث لم ينفع الترهيب.