لم يعد الحديث عن تغلغل تنظيم "القاعدة" في بلاد المشرق العربي مجرد دعاية يستعملها بعض الأفرقاء السياسيين من أجل إثارة المخاوف فقط، بل بات الأمر مؤكداً بحسب التصريحات الرسمية التي تصدر عن قيادات التنظيم المتنوعة، والتي بات لها فروع يجري الإعتراف بها "في الوقت المناسب"، و"بحسب ما تسمح الظروف الخاصة بكل دولة".
بالأمس، إعترف قائد تنظيم "القاعدة" في العراق أبو بكر البغدادي بأن جبهة "النصرة" السورية، ليست إلا إمتداداً لتنظيمه، معتبراً أن "الأوان قد آن لإعلان ذلك"، داعياً إلى إلغاء إسم "دولة العراق الإسلامية" و"جبهة النصرة"، وجمعهما تحت إسم واحد هو "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، فما هي تداعيات هذا الموضوع على الساحة السورية، وهل هناك فروع أخرى سيتم الإعلان عنها في المستقبل؟
"البعث" الجديد
على الرغم من الرؤية الموحدة على الصعيد الفكري، ومن السنوات الطويلة التي كانت فيها سوريا والعراق تحت سلطة "حزب البعث العربي الإشتراكي"، لم ينجح الرئيسان الراحلان حافظ الأسد وصدام حسين في إعلان الوحدة بين البلدين، لكن المفارقة أن تنظيم "القاعدة" نجح في ذلك خلال أشهر عديدة، من خلال السعي إلى إنشاء "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، بعد أن باتت "جبهة النصرة" تشكل الرقم الصعب داخل المعارضة السورية المسلحة.
وفي هذا السياق، يعتبر الناطق باسم جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا زهير سالم أن التعليق على هذا الموضوع قبل التدقيق به غير ممكن، ويشير إلى أن الإعلان جاء من جانب تنظيم "القاعدة" في العراق فقط، وبالتالي يجب إنتظار أن يعلن الجانب السوري المعني موقفه بشكل واضح.
ويؤكد سالم، في حديث لـ"النشرة"، أن هذا الكلام لن يكون له أي تأثير إيجابي على الواقع السوري، بالرغم من تأكيده أن معظم المقاتلين على الأرض هم من السوريين، حيث يعتبر أن هذا الأمر سيدفع بالكثير من المواطنين إلى التفكير بالذي يحصل، ويشدّد على أنّ "هذا الإعلان لن يخدم الثورة التي تؤكد على وطنيتها بأي شكل من الأشكال".
من جانبه، يلفت الخبير في الجماعات الإسلامية الدكتور طلال عتريسي إلى أن الإعلان يؤكد ما كان معلوماً منذ فترة، ويلفت إلى أن الولايات المتحدة الأميركية أشارت في وقت سابق إلى هذا الموضوع لدى إدراجها الجبهة على لائحة المنظمات الإرهابية، ما يعني أن لديها معلومات مؤكدة عن هذا الأمر.
ومن جهة ثانية، يعتبر الدكتور عتريسي، في حديث لـ"النشرة"، أن الهدف قد يكون تأمين نوع من الحماية للجبهة في ظل الترتيبات التي تحصل على الساحة السورية بين فصائل المعارضة، في ظل صراع نفوذ في ما بينها، لكنه يرى أنه لم يكن من مصلحة الجبهة الإعلان عن هذا الأمر بهذا الشكل.
ماذا عن المستقبل؟
كشف تنظيم "دول العراق الإسلامية" عن هذا الإرتباط في هذا الوقت، بعد أن وجد أن الأوان آن لذلك، يطرح العديد من الأسئلة حول ما إذا كان هناك من تنظيمات جديدة يمكن الإعلان عن إرتباطها معه في المستقبل، خصوصاً أن معلومات تحدّثت سابقا عن السعي لإنشاء فرع تابع لجبهة "النصرة" في لبنان.
من وجهة نظر سالم، هناك الكثير من الراغبين في إستثمار هذا الأمر من أجل إستهداف الثورة، وهو إذ يشير إلى أن "النصرة" أكدت في العديد من الأحيان بأنها جزء من الحراك الوطني، يعتبر أن هذا الموضوع لا يمكن أن يمر هكذا، حيث يشدد على أن من الواجب التدقيق فيه جيداً، ويؤكد ضرورة حسمه.
وفي ما يتعلق بإحتمال تمدد هذا التنظيم إلى دول أخرى، يعتبر سالم أن هذا أمر طبيعي، حيث يشير إلى تمدد "حزب الله"، ويلفت إلى أن الحزب يقاتل اليوم في أكثر من دولة، وهو مدعوم من دولة نفطية يعلن رئيسها محمود أحمدي نجاد أنها أصبحت نووية، وبالتالي لا يجب التفرقة بين الأمرين، لكنه يشدد على أن ما يجب التأكيد عليه هو "أننا لسنا جزءاً من هذه التنظيمات، ولا نحمل مشروعها"، ويعرب عن أمله في أن يكون هناك فرصة من أجل توعية الجميع بأن هذا الموضوع لا مصلحة فيه.
من جانبه، يعتبر الدكتور عتريسي أن هذا الإفتراض موجود، حيث يشير إلى أن "القاعدة" تنظيم ومناخ، ويؤكد أنه من الناحية الفكرية هناك مؤيدون لهذا التنظيم في لبنان، الذي من الممكن أن يحمل بسبب طبيعته التنظيمية أكثر من إسم بحسب الظروف.
ويوضح الدكتور عتريسي أن تنظيم "القاعدة" لا يزال حتى الآن يعتبر أن لبنان ممر لدعم المعارضة السورية لا أكثر، لكنه لا يستبعد أن يتم الإعلان عن أن أي فصيل تابع له في المستقبل، حيث يرى أن هذه الأمور تبقى رهن الظروف السياسية التي لا تزال غير مهيئة لمثل هذا الأمر.