اعتبر العلامة السيد جعفر فضل الله أن "الواقع العربي والإسلامي يزخر بالأحداث، هذه الأحداث يجمعُه عنوانٌ واحدٌ: تكريس مبدأ الانقسامات المجتمعيّة والمذهبيّة والطائفيّة والعرقيّة، واسترخاص القتل والتدمير، من مصر التي يُعمل فيها على إنتاج فتنة طائفيّة متنقّلةٍ بين المُسلمين والمسيحيّين، في ظلّ حديثٍ عن دعوة الأقباط للهجرة إلى كيان العدوّ وكأنّه يُراد شيطنة الحياة الإسلاميّة المسيحيّة، ليدفع اليأسُ البعض من المصريّين إلى اعتبار الحضن الإسرائيلي أرحم من الواقع المصري المشترك. إلى العراق الذي يئنُّ تحت وطأة التفجيرات الإجراميّة المتنقّلة، لإنضاج الانقسامات المذهبيّة والقوميّة أكثر فأكثر. إلى سوريا التي تدور فيها طاحونة الموت والدمار، في إطار مخطّط لتدمير كلّ سوريا بشعبها ومؤسّساتها، بكلفةٍ رخيصةٍ على الاستكبار العالمي، باهظةٍ على الشعب السوري الطليعيّ".
واشار الى ان "العدوّ الصهيونيّ يستعيد أنفاسه بعد الهزائم الكُبرى التي مني بها في لبنان وفلسطين، وها هو يعزّز قدراته العسكريّة والأمنيّة، حتّى إذا أنضجنا ـ نحن العرب والمسلمين ـ الأرض، بدمائنا وتدمير ما تبقّى من قوّتنا، انطلق العدوّ ليقطف ثمار كلّ ذلك، وليكرّس نفسه كقوّة كبرى ضاربة في منطقة عربيّة وإسلاميّة متهالكةٍ ضعيفةٍ خائرة القوى".
واعتبر إنّ الأمر الذي ينبغي أن نتنبّه له جميعاً، كشعوبٍ عربيّة وإسلاميّة، وكأنظمة سياسيّة ومؤسّسات دينية ومدنيّة، هو أن لا تشغلنا المطالبة بالإصلاح الداخلي، الضروري والذي لا يجوز أن يتوقّف في حركة أيّ دولة ومجتمع، عن المخططات والمشاريع الاستبكاريّة التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية وكيان العدوّ بالخصوص، كما لا نتّكل على عناوين المواجهة الخارجيّة في إهمال حركة الإصلاح في الداخل؛ لأنّ القوّة إنّما تُبنى من خلال تقوية عناصر الداخل وتعزيز المواجهة لتحدّيات الخارج.
وأكد أننا "نشعر بنوعٍ من انعدام الوزن لأيّ قواعد تضبط العمل السياسي الوطني في لبنان، عندما يتصاعد الحديث مع كلّ تشكيل حكومة، عن التنصّل من سلاح المقاومة ضدّ العدوّ الإسرائيلي؛ لأنّ من السذاجة؛ بل من الانتحار، أن تُلقي سلاحك والعدوّ يصوّب نحو باب البيت، لا اللبناني فحسب، بل العربي والإسلاميّ أيضاً".
ودعا كلّ الفرقاء إلى أن يُخرجوا من حقل التراشق والمزايدة الإعلامية والسياسية، كلّ القضايا الوطنيّة، المرتبطة بسلامة الكيان والبلد، وفي مقدّمتها مواجهة العدوّ الصهيوني وحماية الثروات الطبيعية؛ لأنّ الضمان الأساسي لوحدة البلد وقوّته، يكون بالعمل على تعزيز عناصر الوحدة والقّوة الذاتية بعيداً عن مراهناتٍ على أوضاع المنطقة، أو منطق تسجيل النقاط، وحسابات الأحجام، أو الاستقواء بالخارج على الداخل.
وقال: لقد تعوّدنا في لبنان، في كلّ تاريخه، على أن يقرأ الساسة اللبنانيّون حركة المحاور الدوليّة والإقليمية، عندما يريدون أن يُطلقوا المواقف حتّى فيما يخصّ أصغر القضايا في قريةٍ أو حيّ. لماذا لا نجرّبُ ـ ولو لمرّة واحدةٍ ـ أن نفكّر ماذا يريد اللبنانيّون؟ وما هي مصلحة لبنان؟ وكيف نكون في مستوى هذا البلد الغنيّ في إنسانه وفي أرضه وفي ثرواته؟ لكنّنا نقول ـ وبكلّ أسف ـ إنّ الشعب قد أدمن كلّ هذا الواقع السياسي، بكلّ رموزه ومواقفه المكرورة، حتّى بات يخاف من أن يضبط نفسه متلبّساً في أن يطلّق جلاديه!
وتسائل "إذا كان الشعبُ هو مصدر السلطات، وكان الشعبُ هو المعنيّ بقانون الانتخاب؛ فالمنطق يقول: إنّ مشاريع قوانين الانتخاب الشعبي لا ينبغي أن يقرّها إلا الاستفتاء الشعبي؟! أم أنّ الكثيرين لا يزالون ينظرون إلى الشعب كأرقامٍ في لعبة الأحجام؟".