تقدّر عائدات وزارة الاتصالات بنحو 1.9 مليار دولار سنوياًَ، إلا أن ذلك لا يعدّ السبب الوحيد لجعل السيطرة عليها بمثابة «أمّ المعارك» المقبلة، بل هناك سبب آخر يبدو أنه الأهم في هذه المرحلة ويتصل مباشرة بدورها «الأمني» المهم. فما قيل عن طرد العونيين من وزارتي الطاقة والاتصالات، في مقابل تخلي المستقبليين عن المطالبة بوزارة المال، قد يكون هدفه في الحقيقة الإمساك مجدداً بكنز المعلومات
يحاول أحد الوزراء المحسوبين على قوى 8 آذار في حكومة تصريف الأعمال أن يعيد تحديد نوعية المشكلة التي ستواجه الرئيس المكلّف تمام سلام في توزيع الحقائب عند تأليف الحكومة، ويقول حرفياً: «إن المشكلة في وزارة الطاقة والمياه تدور حول اسم جبران باسيل، أمّا المشكلة في وزارة الاتصالات فتدور حول اسم الجهة التي ستؤول إليها هذه الحقيبة».
بمعنى ما، يعتقد هذا الوزير أن المعركة الحقيقية ستدور على حقيبة وزارة الاتصالات، لا على حقيبة وزارة الطاقة والمياه، على الرغم من الأهمية القصوى للملفات المتعلّقة بتوزيع عقود استكشاف الغاز والنفط واستخراجهما وتوزيع ريوعهما لاحقاً... طبعاً، يصرّ الوزير نفسه على التوضيح أن كلامه لا يعني أبداً أن هذه المشكلة تتفوّق على ما عداها من مشكلات تعترض التأليف، إلا أنه يتمسّك بنوع من التوصيف لها يجعلها تختصر الكثير من المشكلات الأخرى بعد حلّ مشكلة التوافق على شكل الحكومة ونوعها وعدد الوزراء فيها وحصص كل طرف في تسميتهم.
لا سباق على الطاقة
قد يبدو هذا التحديد غريباً بعض الشيء، ولا سيما أن تناول الثروة النفطية والغازية في لبنان صار بمثابة إطلاق «وعد الربيع» الجديد، ويجري تعزيز هذا «الوعد» بحملة إعلانية واسعة تجعل كل حاجات لبنان الحيوية ترتبط بريوع استخراجها، وبأرقام ومبالغ طائلة، إذ تصل التقديرات المتداولة للقيمة السوقية لهذه الثروة المدفونة في باطن الأرض وتحت قعر البحر الى أكثر من 120 مليار دولار، أي أكثر بـ 2.7 ضعف مجمل الناتج المحلي المقدّر لهذا العام، وما يساوي تقريباً مجمل الودائع الحالية للمقيمين وغير المقيمين في القطاع المصرفي اللبناني! من الطبيعي أن تسيل هذه الثروة «لعاب» المتحكّمين بالدولة والثروة وتطلق شرارة سباق جديدة بينهم من أجل الفوز بحصّة منها كريع سياسي أو شخصي وجعل الإدارة المسؤولة عنها ضمن «إقطاعية» هذا الطرف أو ذاك... إلا أن هناك معطيات «صغيرة» يجدر الانتباه لها في سياق التحليل، فثروة النفط والغاز لا تزال سمكاً في البحر حتى الآن، وآلية توزيع عقود التنقيب انطلقت فعلياً بإدارة الوزير جبران باسيل ومن دون اعتراضات فعلية من خصومه، وما كُتب لهذه المرحلة قد كُتب، وليس هناك نيّة للتراجع عنه، ولا سيما أن الشركات المؤهلة للمشاركة في المناقصة المقبلة ستعلن بعد 3 أيام في 18 نيسان الجاري، ومهما كان شكل الحكومة المقبلة ونوعها، فإنها ستسير في إجراءات المناقصة ضمن دفاتر الشروط الموجودة وبمعيّة هيئة إدارة قطاع النفط التي جرى توزيع الأعضاء الستة فيها على القوى السياسية المسيطرة من فريقي الصراع الظاهري، وحُددت مدّة ولايتها بـ 6 سنوات قابلة للتجديد لفترة مماثلة، وتم التوافق على المداورة في رئاسة هذه الهيئة بين كل الأعضاء فيها، بمعدّل سنة لكل منهم! ويبقى معطى «صغير» أيضاً يساعد في التحليل قليلاً: هذه الحكومة لن تمنح «التراخيص»، وبالتالي ستتولى هذه المهمّة، تبعاً للمراحل المتبقيّة المعلنة بعد مرحلة تأهيل الشركات، حكومة ما بعد الانتخابات النيابية (إذا حصلت)، وعندها لكل حادث حديث.
إذاً، لا شيء مستعجل الآن يفرض «الاستقتال» من أجل السيطرة على وزارة الطاقة والمياه، بل يمكن تأجيل هذه المعركة الى ما بعد الانتخابات النيابية (عندما تحصل)، ولا سيما إذا تم التوافق على تأليف الحكومة الجديدة من غير المرشّحين للانتخابات، عندها سيخرج جبران باسيل من تلقاء نفسه وستنتقل الحقيبة الى غيره، ولا ضير من أن يسمّيه النائب ميشال عون أو أحد حلفائه... وهذا لا يرتبط فقط بملفات الغاز والنفط، بل أيضاً بملفات الكهرباء والمياه، إذ لا يوجد عمل «كبير» يمكن القيام به في هذه المرحلة السياسية الانتقالية، فمعظم العقود المقررة في هذين القطاعين جرى تلزيمها أو هي في طور التلزيم، ونتائج تنفيذ هذه العقود (الإيجابية والسلبية) لن تبدأ بالظهور قبل سنة ونصف من الآن، وبالتالي لن تكون قابلة للاستثمار الانتخابي (تخفيض ساعات التقنين مثلاً) إذا حصلت الانتخابات النيابية في هذا العام، إذ إن حدود هذا النوع من الاستثمار قبل ظهور النتائج سبق أن استنزفها جبران باسيل كلّها عبر الإعلانات شبه اليومية عن «الإنجازات» الموعودة.
المال تحت السيطرة!
لا شك أن مستوى «الغرابة» في استبعاد «المعركة» على وزارة الطاقة والمياه الآن ينخفض أمام هذه المعطيات «الصغيرة» المتعلقة بملفات الغاز والنفط والكهرباء والمياه (وحتى تلك المتعلّقة بالنشاطات الاحتكارية لاستيراد المحروقات والمتاجرة بها التي لم يغيّر جبران باسيل الكثير في توزيعها)، ففي أسوأ الأحوال (أو أحسنها) ستكون القوى المؤثّرة في تأليف الحكومة غير ميّالة الى تعطيل التأليف، انطلاقاً من محورية هذه الحقيبة بالذات (في لحظة التوافق على عدم التعطيل طبعاً). من دون أن يعني ذلك أن أكثرية خصوم ميشال عون لا يرغبون دائماً بإصابته في «خاصرته» التي يعتبرونها «رخوة» والمتمثّلة بصهره «الوزير»، ولكن هناك من يهمس اليوم بكلام يبدو مقنعاً: «لا تصدّقوا أن رأس جبران باسيل يساوي التخلّي عن وزارة المال... ثمن هذه الوزارة الأكثر أهمية بين الوزارات لا بد أن يكون كبيراً جدّاً ويحمل أبعاداً في السيطرة على مجالات مهمّة في السياسة والأمن والمال العام وتراكم الثروة».
هذا الهمس «الصالوني» جاء على أثر تصريح الرئيس فؤاد السنيورة بعد اجتماع كتلة «المستقبل» مع الرئيس تمام سلام (9 نيسان) في إطار الاستشارات النيابية غير الملزمة. لقد كانت المرّة الأولى (ربما) التي يجاهر فيها السنيورة بموقف يشترط فيه تداول الحقائب الوزارية في تأليف الحكومة الجديدة، وقال حرفياً «أعني جميع الحقائب وأولاها وزارة المال»! هذه المجاهرة فتحت المجال واسعاً للكثير من التأويل، إذ يُعرف عن السنيورة تطرفه في السعي الدائم للإمساك بوزارة المال بوصفها المفتاح الحقيقي لممارسة السلطة وإدارة عملية التوزيع من خلال المال العام... لا بد من التذكير بأن توقيع وزير المال مطلوب على جميع المراسيم تقريباً، ما عدا مراسيم تأليف الحكومة واستقالتها. وبالتالي لا يمكن فهم الاستعداد للتخلي عن هذه الوزارة في حكومة سيشارك فيها تيار «المستقبل» إلا إذا كان الثمن المقابل لها الآن «حرزاناً» أو «مطلوباً» بإلحاح لأغراض معينة.
يبتسم أحد النوّاب المقرّبين من الرئيس نبيه بري بخبث عند مواجهته بسؤال عن سبب استعداد تيار المستقبل لعدم المطالبة بوزارة المال. هذه الابتسامة حوت إجابة لم يرد هذا النائب أن يقدّمها مباشرة لكونها تنطوي على نقد غير معتاد لفريقه، أجاب ببساطة «لماذا يريد السنيورة الآن وزارة المال؟ بماذا تفيده حقاً؟»! في الواقع، قصد النائب أن يقول إن تيار المستقبل أُخرج من وزارة المال منذ حزيران عام 2011 في ذروة الهجوم عليه على خلفية فتح ملفات حسابات الدولة النهائية عن السنوات الماضية وإنفاق المال العام من دون إجازة من مجلس النواب وعدم وضع وإقرار قوانين الموازنة العامّة منذ عام 2006، وتم تصوير السنيورة على أنه لص «الخزنة الحديدية» عندما تولى حقيبة هذه الوزارة في أواخر عام 1993 حتى تسلّمه رئاسة الحكومة عام 2005 (ما عدا حكومات الرؤساء سليم الحص وعمر كرامي ونجيب ميقاتي)... ولكن ماذا جرى؟ ما الذي تغيّر؟ وأين تضررت مصالح تيار المستقبل حقيقة؟ لقد ارتكبت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأخيرة مخالفات مالية أفظع من تلك التي يتم اتهام السنيورة بها، ولم يجر اتخاذ أي إجراء أو تبنّي أي سياسة أو إحداث أي تغيير إداري يمكن أن يضع وزارة المال في خانة «الخطر» على تيار المستقبل، ولو من ناحية تحميله المسؤولية السياسية، لذلك لا بد أن يكون السنيورة سعيداً اليوم من التخلّص من تبعات هذه المسؤولية، وبالتالي لم يعد يوجد ما يخفيه أو يخيفه في مجال فتح الملفات في وزارة المال، فهو فقد السيطرة المباشرة عليها طيلة 22 شهراً متواصلة ولم يؤد ذلك الى ما كان يخشاه، بل بالعكس تماماً، بقي تيار المستقبل سيّداً على وزارته مع وزير ليس محسوباً عليه. إذاً، لماذا يفتح تيار المستقبل معركة استعادة وزارة المال الآن في ظل حكومة تحضير للانتخابات؟ ولماذا سيفتح هذه المعركة الآن بعدما ثبت له باللمس أن «الشركاء» الآخرين (حلفاء أو خصوم) ليس لديهم أي نيّة لتغيير قواعد «اللعبة» التي تولت وزارة المال إدارتها؟ ليس هناك أي نيّة لوضع قانون للموازنة العامّة (مثلاً) وما تمّ تداوله في ظل الحكومة الأخيرة يعدّ استنساخاً لكل ما يفكّر فيه تيار المستقبل أصلاً!
إنها وزارة الاتصالات
إذاً، لم تكن وزارة الطاقة هي ثمن التخلي عن وزارة المال، فأي ثمن يريده تيار المستقبل في هذه الحكومة؟ لقد أعلن النائب في كتلة المستقبل جان أوغاسبيان منذ أيام قليلة أن «حزب الله لن يسهل عمل تمام سلام، فهو لن يستغني عن وزارة الاتصالات لأنها وزارة أمنية بامتياز». مثل هذه التصريحات تمرّ عادة مرور الكرام، لكنها غالباً تعبّر عن حقائق كثيرة، ولا سيما أن أوغاسبيان أوضح «أن وليد جنبلاط لن يسير بحكومة من دون حزب الله». بمعنى أن أوغاسبيان كان واضحاً (عن قصد أو عن غير قصد) بأن المعركة بعد التوافق على التأليف ستتمحور حول وزارة الاتصالات، لا لأنها وزارة «المال» أيضاً، بل لأنها وزارة «الأمن» بـ«امتياز».
بعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي مباشرة، وقبل تسمية الرئيس المكلّف، سارع النائب وليد جنبلاط إلى الإعلان عبر «الأخبار» أن على حزب الله أن يعرف «أن ظروف اليوم غير ظروف 2011. نحن في قلب الأزمة السورية (...) لا يجوز إقصاء أحد. ولا فرق بين التمثيل المباشر وغير المباشر». إلا أن وليد جنبلاط، كما كتب الزميل حسن علّيق (29 آذار)، تناول ورقة كتب عليها الثوابت الحكومية: العودة إلى النأي بالنفس. عدم إبقاء الثروات اللبنانية بين أيدي التيارات العبثية. إجراء إصلاح إداري. (مع احترامنا للحقوق النقابية، الوضع الاقتصادي لا يحتمل والإدارة مهترئة). وأخيراً، الاستفادة من سلاح المقاومة في وجه إسرائيل». ولكن ما الذي قصده جنبلاط من الثابتة الحكومية الثانية المتعلّقة بالثروات اللبنانية؟ فهو قال إنه «لا يريد بقاء الوزير جبران باسيل في موقعه»، إلا أنه تحدّث عن وزارة الاتصالات ليخلص الى أنه «لن يقبل بعونيين في هاتين الوزارتين»، وأضاف في محل آخر من كلامه إن «هناك توازنات طائفية ومذهبية، ويجب الحفاظ على فرع المعلومات».
كلام جنبلاط، كما أوغاسبيان، يفصح الكثير عن طبيعة هذه المعركة المتوقّعة، فليس خافياً أنه طوال السنوات الماضية منذ انتقال حقيبة وزارة الاتصالات من عهدة الوزير مروان حمادة الى عهدة الوزير جبران باسيل بعد موقعة 7 أيار (شبكة اتصالات المقاومة) واتفاق الدوحة في عام 2008، تحوّلت هذه الوزارة الى هاجس حقيقي يتصل بعمل المحكمة ذات الطابع الدولي الخاص بلبنان والدور الذي يلعبه فرع المعلومات في الحياة السياسية والعلاقات الاستخبارية مع مراكز أساسية، ولا سيما العائدة لمنظومة الولايات المتحدة الأميركية... يكفي تتبع مسألتين هامتين لفهم هذا الترابط: أدلة الاتهام التي ستنظر فيها المحكمة القائمة على تحليل حركة الاتصالات لكشف جريمة اغتيال رفيق الحريري، والثانية الإصرار الغريب في كل مرّة للوصول الأمني الى قاعدة معلومات الاتصالات الكاملة التي تضع جميع المقيمين في لبنان تحت الرقابة وتمس في العمق الحرّيات الشخصية والحياة الخاصّة. صحيح أن الداتا الكاملة لا تزال تصل الى فرع المعلومات، إلا أن تجربة الوزراء جبران باسيل وشربل نحاس ونقولا صحناوي في هذا المجال نجحت في جعل ذلك قضية عامّة، وفي عرقلة الكثير من الأعمال «الأمنية» التي كانت تحصل بصورة عادية من دون أي اعتراض، كما جرى الإمساك بمفاتيح الشبكة الخلوية الثالثة (رغم أن إشارتها لا تزال على الشبكة حتى الآن، ولم تعرف ماهية الاتصالات التي كانت تجرى عبرها وبلغ عددها أكثر من 20 ألف اتصال).
لقد خسر فريق سياسي _ مخابراتي معركة التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي، وهو يريد التعويض عن هذه الخسارة بالإمساك جدّياً بكنز المعلومات عبر وزارة الاتصالات... باختصار، لا يريد هذا الفريق أن يبقى «الكنز» خاضعاً للمساومات، ولا سيما عشية انطلاق المحاكمة لحزب الله في لاهاي.
بيع رخصتي الخلوي
لندقق قليلاً. الاستحقاق الوحيد الذي ستضطر الحكومة المقبلة الى مواجهته، غير استحقاق إجراء الانتخابات النيابية، هو تلزيم عقدي إدارة وتشغيل شبكتي الهاتف الخلوي في لبنان، إمّا بالتمديد للشركتين الحاليتين وإمّا بإجراء مزايدة جديدة تشارك فيها شركات أخرى أو باعتماد خيار بيع الرخصتين. ففي ظل الحكومة الأخيرة انتهت مدّة العقدين القائمين في آخر كانون الثاني الماضي، فجرى التمديد لهما شهراً واحداً، ثم جرى التمديد 4 أشهر إضافية، أي حتى نهاية حزيران المقبل، وذلك بحجّة إعداد دفاتر شروط جديدة لإجراء مزايدة جديدة، أي إن مجلس الوزراء كان قد قرر تأجيل اتخاذ القرار بهدف التوصل الى تسوية في شأنه على غرار ما يحصل في ملفات كثيرة. إلا أن اللافت حينها أن بعض الوزراء المحيطين بالرئيس نجيب ميقاتي باشروا عملية «جس نبض» لاختبار مدى القدرة على الذهاب الى مناقشة خيار بيع الرخصتين، مستغلّين معركة تمويل مشروع سلسلة الرتب والرواتب. وبحسب مصادر مطّلعة، جاء الرد سريعاً، إذ رفع وزير الاتصالات نقولا صحناوي مسودة «سياسة جديدة للقطاع» رفض الرئيس ميقاتي إدراجها على جدول أعمال مجلس الوزراء، لأنها قامت على مبدأ إبقاء سيطرة الدولة الكاملة على البنية التحتية للاتصالات في مقابل خصخصة جميع الخدمات، ولا سيما خدمات البيع بالتجزئة، ما يعني أن أي شركة خاصّة لن تكون لها فرصة بناء شبكتها الخاصة أو السيطرة على شبكة قائمة في كل المجالات، الصوت وتبادل المعلومات والاعلام، وهذا الاتجاه لا يخدم كلياً الهدف من «الخصخصة»، ولا سيما في جانبيه الأساسيين، أي الريع والأمن.
لا بد من الإشارة إلى أن عدد المشتركين على شبكتي الخلوي ارتفع من 1.2 مليون مشترك في عام 2007 الى 3.8 ملايين مشترك في عام 2012، كما ارتفعت الايرادات من 1.1 مليار دولار الى 1.9 مليار دولار، على الرغم من تخفيض متوسط قيمة الفاتورة الواحدة شهرياً من 71 دولاراً الى 38 دولاراً في الفترة نفسها... وهذه المعطيات الرقمية لم تعد تشكّل حافزاً لبيع الرخصتين بالشكل المتداول سابقاً، وهذا يحتاج الى كلام في سياق آخر.
ابحث عن الأميركان
بتاريخ 21 شباط الماضي، صرّحت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في بيروت مورا كونيلي بكلام لم يجر التوقّف عند دلالاته كثيراً، فقد قالت في محاضرة لها في الجامعة اللبنانية الأميركية «قد لا تعرفون كثيراً عما نفعله نحن على الجبهة الاقتصادية لدفع هدفنا في إقامة علاقات اقتصادية أميركية _ لبنانية أكثر متانة وازدهاراً». وأعطت مثالاً في سياق حديثها عن قطاع الاتصالات، فهي ركّزت على أن «هذا القطاع تراجع مقابل ما حققته الدول في المنطقة، حتى إن كلفة المخابرات الأرضية والهاتفية تفوق بمرات كلفتها في فرنسا، علماً بأن ذلك لا يتزامن بالضرورة مع كفاءة خدمة». وقالت: «عندما سعى الرئيس فؤاد السنيورة في مؤتمر باريس 3 إلى تطوير القطاع عبر تحريره وخصخصته، دعمنا خطته، وعمل خبراء أميركيون مع الحكومة اللبنانية لوضع القوانين اللازمة وتشكيل الهيئة ذات الصلاحية والتحضير لبيع رخصتي الخلوي في سوق شفافة وعادلة، إلا أن الوزراء الذين تعاقبوا رفضوا المصادقة على الخصخصة، واليوم لا يزال القطاع تحت رقابة الحكومة اللبنانية، بعدما حرم لبنان من 80 مليون دولار كانت مخصصة للدعم في إطار المساعدة الأميركية، وتخيلوا أين كان ليصير القطاع اليوم لو تحقق ذلك، ومدى استفادة الحكومة من مبلغ 80 مليون دولار». أضافت «قد يقول البعض إن الحكومة قادرة على تحقيق الاستثمار وإدارة البنى التحتية أكثر من القطاع الخاص، وتستحق وزارة الاتصالات أن نعترف لها بما حققته من إنجازات خلال السنوات الأخيرة، إلا أن لبنان لا يزال في المرتبة 147 من أصل 180 دولة في مجال سرعة التنزيل على الإنترنت. وأنا أسأل ماذا لو كان القطاع الخاص حارس بوابة بنية الإنترنت والقيّم عليها، هل كان هذا السجال ليكون حاضراً؟». أليس لافتاً هذا الاهتمام الأميركي الخاص بقطاع الاتصالات في لبنان؟ أليست الخصخصة هي إحدى الوسائل للسيطرة أيضاً على المعلومات، فضلاً عن الريوع المالية الضخمة؟