على الرغم من الخطورة الكبيرة التي تنطوي عليها الدعوات إلى "الجهاد" في سوريا في هذه الأيام، تبقى قضية النازحين السوريين إلى لبنان هي الأخطر من وجهة نظر الكثير من الأوساط الرسمية والشعبية، لا سيما أن أرقام هؤلاء ترتفع بشكل كبير، في ظل عدم بروز أي ملامح لحل قريب للأزمة السورية، ما يعني أن هذه الأرقام سترتفع أكثر في الأيام المقبلة.
من حيث المبدأ، تؤكد بعض المراجع الرسمية أن عدد النازحين تجاوز المليون، إلا أن الأرقام التي تصدر عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لا تزال بعيدة عن هذا الرقم، فما هي أسباب هذا التفاوت، وما هي المخاطر التي تنطوي عليها هذه الأزمة؟
أرقام متفاوتة
لا توجد أي جهة رسمية أو غير رسمية قادرة على تقديم رقم واضح حول عدد النازحين السوريين في لبنان، هذه المشكلة التي طرقت الأبواب اللبنانية منذ ما يقارب العامين، لم تتمكن الدولة اللبنانية من وضع خطة كاملة من أجل التعامل معها، بالرغم من كل المخاطر التي تنطوي عليها على مختلف الصعد الإقتصادية والإجتماعية والأمنية.
وفي هذا السياق، توضح الناطقة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة دانا سليمان أن سبب التفاوت في الأرقام يعود إلى أن المفوضية تعلن عن أرقام النازحين المسجلين لديها، في حين أن هناك عدداً من النازحين لا يزالون غير مسجلين، وتؤكد أن عملية التسجيل مستمرة بشكل دائم، وتشير الى أن المفوضية تسجل نحو 3000 نازح يومياً.
بالنسبة إلى المستقبل، توضح سليمان، في حديث لـ"النشرة"، أن المفوضية لا تملك إحصاءات حول عدد الذين يعبرون الحدود يومياً، لكنها تلفت الى أن حركة النزوح لا تزال مستمرة، وهذا هو الواقع حتى اليوم.
وفي هذا السياق، تشير سليمان إلى أن النازحين السوريين بحاجة إلى مساعدات كبيرة، لا سيما أن لبنان لا يمتلك الطاقات والبنى التحتية التي تستطيع أن تستوعب هذا العدد، وتلفت إلى أن هناك صرخة توجهها الأمم المتحدة إلى جميع الدول المانحة من أجل المساعدة في هذا الموضوع، وتشدد على أن ميزانية المفوضية لا تسمح بالإستمرار بالتوسع في تقديم المساعدات، خصوصاً أن الحاجات في تزايد مستمر.
ومن جهة ثانية، تؤكد سليمان أن التعاون مع الحكومة اللبنانية مستمر، لا سيما مع وزارتي الشؤون الإجتماعية والتربية والتعليم العالي، لكنها تشدد على أن إمكانات لبنان ليست على مستوى الحاجات، وتلفت الى أنه في حال تقديم المزيد من المساعدات من قبل المجتمع الدولي، فإنه سيكون من الممكن زيادة التقديمات.
مادة تجاذب سياسي
على الرغم من كل المواقف التي تصدر عن جميع المسؤولين، لا يبدو أن الدول المانحة ستتجاوب سريعاً مع نداءات الدولة اللبنانية، لا سيما أن الوعود التي قدمت خلال المؤتمر الذي عقد في الكويت قبل مدة لم تنفذ جميعها، في حين أن أفكارًا عديدة تطرح على الصعيد الرسمي، منها توزيع أعداد النازحين على دول عدّة، واقامة مخيمات لهم داخل الأراضي السورية برعاية الأمم المتحدة، إلا أن الإقتراح الأخير يطرح تساؤلاً مهماً جداً، بحسب مصادر متابعة، حول إمكانية تأمين الحماية لهم.
وفي هذا السياق، يصف عضو كتلة "المستقبل" النائب رياض رحال طريقة تعامل الحكومة اللبنانية المستقيلة مع هذه القضية بـ"العشوائية"، ويشير إلى أنها لم تكن معالجة سليمة على الإطلاق، ويشير إلى أن من غير الممكن طلب المساعدات لكي تصرف بطريقة غير منظمة.
ويعتبر النائب رحال، في حديث لـ"النشرة"، أن الأهم في هذا الموضوع هو تأمين السكن، ويستغرب الرفض المستمر لفكرة اقامة مخيمات، ويشير إلى أن هذا الأمر يساعد جداً في المعالجة، بشرط أن تكون هذه المخيمات حضارية، ويرفض الهواجس التي يطرحها البعض، لأنهم سوف يعودون إلى بلادهم فور عودة الأمور إلى طبيعتها.
في الجهة المقابلة، يشدد عضو تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال الحلو على أن الشعب السوري يستحق الإحتضان والرعاية على أفضل صورة، ويشير إلى أن هذا الشعب حضن مختلف الشعوب التي عرفت الحروب في فترة سابقة، لكنه يشدد على أن هذا الأمر يفترض أن يكون بطريقة جيدة.
ويؤكد النائب الحلو على أن الطريقة التي تعاملت بها الحكومة المستقيلة مع هذا الملف غير مناسبة، ويشير إلى أن التكتل أعلن عن تحفظه عليها منذ البداية، ويذكر بأن العديد من الأوصاف أطلقت عليه لأنه كان يفكر بطريقة عقلانية، لكنهم في النهاية وصلوا إلى النتيجة التي كان يحذر منها.
ويرفض النائب الحلو فكرة إقامة المخيمات، ويلفت الى أن التجربة في السابق لم تكن مشجعة، ويدعو إلى أن تقام على الأراضي السورية في المناطق غير المشتعلة لأن لبنان لا يحتمل، ويشير الى أن جميع الإتفاقيات والقوانين الدولية التي تتناول هذا الشأن تنص على توزيع الأعباء على جميع الدول المجاورة بالدرجة الأولى، وعلى جميع الدول الأخرى لأن هذا الموضوع إنساني يعني الجميع، ويرى أن هناك مسؤولية كبيرة ينبغي أن تتحملها الدول التي تمول الحرب في سوريا، لأنها تتحمل المسؤولية عن إستمرار عمليات النزوح.
في المحصلة، ليس هناك من حلول عملية لهذه الأزمة الإنسانية بالدرجة الأولى على الصعيد اللبناني، وفي ظل غياب الدول المانحة عن السمع، وغياب السلطات الرسمية عن وضع خطة عملية، فإن هذه الأزمة قد تنفجر في أي لحظة، لا سيما أن الجهات السورية نفسها تؤكد أن الأزمة لن تنتهي في وقت قريب.