في حسابات النائب ​ميشال المر​ البلدية: الدكوانة «ستالينغراد»، المنصورية «حي القبضايات»، والزلقا «تكساس» المتن، لكن ما كان سارياً قبل 2009 سقط اليوم، لتسقط معه آخر غنائم المر الانتخابية، أي بلدياته، في أيدي نواب تكتل التغيير والاصلاح. معركة 2013 النيابية لن تكون شبيهة بسابقتها حتماً

عشية انتخابات 2009 النيابية، كانت ماكينة النائب ميشال المر الانتخابية تقوم بعملها الاعتيادي عبر توزيع المهمّات على حاشيتها. هنا «شباب» المر يضعون كاهن السريان الأرثوذكس الياس عكاري في إقامة «العمارة» الجبرية لمخالفته أوامر المر وتوزيعه لوائح انتخابية للتيار الوطني الحر في المتن الشمالي. هدّده نائب بتغرين يومها بوزارة الدفاع التي كان يتربع نجله الياس على عرشها اذا ما فكّر في التمرد مرة أخرى. في الزلقا، لم يلقب رئيس البلدية ميشال عساف المر بـ«الشريف» عبثاًُ. بادر هو الآخر الى ثني «الزلقاويين» عن الاقتراع للتيار الوطني الحر تحت طائلة سحب الرخص وزيادة الضرائب. بلدة الدكوانة تحوّلت بلمحة بصر الى «ستالينغراد»، فيما بات دخول المنصورية محصوراً بـ«القبضايات» فقط. في المنصورية، إحدى «إمارات» المر التي يديرها رئيس البلدية وليم الخوري، مُزقت صور رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون، حوصرت منازل العونيين ووُجهت التهديدات الى شرطة البلدية والموظفين، ولا من يسأل. وعندما قرر النائب ابراهيم كنعان زيارة المنطقة قبيل الانتخابات للاطمئنان إلى أهلها، أُطلقت النار على سيارته. ويمكن سرد عشرات أو مئات الروايات البوليسية في هذا السياق.

قبيل الانتخابات البلدية عام 2010، كادت «خدعة» المر تنطلي على التيار الوطني الحر، وتسلبه المغانم التي حققها في الدورة النيابية، لولا استدراك التيار للعبة البتغرينية في الأيام الأخيرة التي سبقت المعركة البلدية، وتمكنه من اعادة خلط الأوراق. والنتيجة: تمكن العونيون من خرق بلديات المر الصرفة، وبالتالي المشاركة في قرار مجالسها، وما يعنيه ذلك من ابلاغ النواب بكل المخالفات الحاصلة والتفاصيل اليومية. وبات الواقع يفرض اليوم على أي انتخابات نيابية مقبلة تغييراً كبيراً في حسابات «العمارة»، ومن بينها ادراك المر أن عجلات ماكينات البلديات الانتخابية تعطلت، ولا سيما مع سيطرة تكتل التغيير والاصلاح على أكثرية المقاعد النيابية. ففي الدكوانة، مثلا، لم يعد باستطاعة رئيسها أنطوان شختورة الضغط على الناخبين للاقتراع للائحة المر حصراً، بعدما نفذ التيار مشاريع انمائية في البلدة بقيمة تتخطى الأربعة مليارات ليرة، الى المستوصف الصحي الذي افتتح حديثاً وشبكات الصرف الصحي التي أعيد تأهيلها وغيرها. علما أن الشختورة وغيره من رؤساء البلديات المقربين من المر، آثروا، في السنوات الثلاث الماضية، زيارة الرابية ونواب التكتل علناً. إزاء ذلك، لم تعد الخدمات، الصغيرة أو الكبيرة منها كتزفيت الطرقات وتأهيلها، تمرّ حصراً عبر «العمارة»، ولم يعد الولاء محصورا بنائب متني دون الآخر. وما كان يملكه المر وينسبه الى نفسه من مفاتيح انتخابية الى ماكينات وأموال بات متاحاً للأحزاب السياسية الأخرى.

بيدر البلديات

يشير أحد رؤساء البلديات المحسوبين على المر، إلى أن «غالبية الرؤساء الذين اختاروا الوقوف الى جانب نائب بتغرين سابقاً وحوّلوا صالونات مجالسهم الى ماكينات انتخابية، غير قادرين اليوم على تكرار السيناريو لسببين: أولاً دخول التيار الوطني الحر على خط النيابة المتنية وتربعه على وزارات خدماتية أساسية في عمل البلدية اليومي، بحيث أصبح من الصعوبة عدم التفاعل مع هؤلاء النواب لتحقيق عمل انمائي حقيقي في البلدة. ثانياً ضرورة الحفاظ على «الحياد» السياسي، للحفاظ تالياً على موقع الرئاسة الذي لم يعد مضمونا بعد تمثل الأحزاب السياسية داخل المجلس البلدي، وقدرتها على حلّه واسقاط رئيس البلدية اذا أرادت. لذلك، لم يعد هؤلاء يهابون المر ولا تهديداته بأدراج «العمارة» الفائضة بملفات الفساد، اذ إن كل المخالفات كانت تجري على مرأى من المر، وأي فضيحة بلدية ستصيب المقربين الرئيسيين منه اذا لم يكن المر نفسه، قبل أن تمتد الى أعناق رؤساء بلدياته. وبنظر الريّس، المنتخب باتفاق سياسي بين المر والتكتل، على الطامح إلى ولاية بلدية جديدة الانفتاح على كل القوى السياسية، بعدما ثبت في الانتخابات البلدية السابقة أن التحالفات السياسية وحدها القادرة على تعويم «ريّس» وانهاء مسيرة آخر.

نتيجة لذلك، لم تعد البلديات الناخب الأكبر في المتن، بعدما حلّت الأحزاب مكانها. وأصبح لزاماً على «الشريف» ووليم خوري وغيرهما التفكير جيداً قبل الامعان في تنفيذ المخالفات والتهديدات، ولا سيما أن مسامرة الخوري لرئيسة اتحاد بلديات المتن ميرنا المر في ليالي «فتّات الورق» لن تشفع له في اعادة انتخابه والتستر عليه، وخصوصاً أنه لا وزارة داخلية أو دفاع تحميه (أو تحميهم) اليوم. وبات على رئيس بلدية جل الديب إدوار أبو جودة التفكير ملياً قبل المجاهرة علناً بأنه «رأس حربة ماكينة المر الانتخابية»، وخصوصاً أن 7 من أعضاء مجلس بلديته ينتمون الى التيار الوطني الحر. وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس بلدية بيت مري أنطوان مارون، المضطر اليوم إلى مسايرة جميع الأحزاب والحدّ من حركته الانتخابية الفاضحة كما في 2009. ولا يستطيع في الدورة النيابية المقبلة رئيس بلدية وطى المروج جورج كفوري توزيع اللوائح الانتخابية من دون محاسبة، كما لا يستطيع زميله في ضهر الصوان نصري ميلان الاستمرار في صرف الفواتير المالية الوهمية، بعدما أصبح أخيراً رهن التحقيق أمام النيابة العامة المالية بتهمة دفع أموال بلدية لمستوصف وهمي. لذلك، يجمع غالبية رؤساء البلديات على أنه «لا لوائح زيّ ما هيي في الانتخابات النيابية المقبلة»، والأهم من ذلك أن «تنوع انتماءات المجلس البلدي يقف في وجه تجيير الرئيس كامل أموال البلدية لمصلحة مرشح دون الآخرين».

منذ قرابة الثلاثة أسابيع أعاد نواب تكتل التغيير والاصلاح الحياة الى سكان بلدة جورة البلوط (مسقط رأس زوجة المر، سيلفي المر)، بعد نحو 30 سنة من المعاناة في ظل غياب شبكة صرف صحي وما رتبته من مستنقعات ملوثة داخل البلدة وأمراض مستعصية أدّت الى وفاة عشرات السكان. ولهذه البلدة المستثناة من خريطة المر الخدماتية، زميلات عديدة. ازاء ذلك، سقط سلاح بتغرين الانتخابي شبه الوحيد وعادت البلديات الى عملها الأساسي الانمائي، حيث لن تقوى في الدورة النيابية المقبلة على اعادة سيناريو العام 2009 مطلقاً. لن ينام موظف البلدية موظفاً عشية الانتخاب ويستفيق مندوباً انتخابياً بعد اليوم، ولن تحلّق صور المر على روافع البلديات. أما «الريّس»، فواقع بين حسابات ولائه وبيدر المتن النيابي. جُرّدت «العمارة» من وزارة داخليتها وفقدت آخر غنائمها التي سقطت في أيادي الورثة البرتقاليين... والمر حيّ يرزق.

« ديكفوس » أبو إلياس

أخيرا انضم النائب ميشال المر الى نادي «الفسبكة»، ولكن من دون فتح حساب خاص له على هذا الموقع الاجتماعي. فالمر اختار أن يدخل «الفايسبوك» من حسابات المقربين اليه ولغرض واحد: مراقب جماعته ورؤساء البلديات المحسوبين عليه. منذ مدة، تلقى أحد هؤلاء مكالمة هاتفية من أبو إلياس، علا فيها الصراخ على «الريّس» الخارج عن طاعته. وبعد تأنيب كثير، سأل المتلقي عن تهمته وجاءه جواب المر على عجل: «شفتك بصورة عالـ «ديكفوس» مع أحد نواب تكتل التغيير والاصلاح». وعندما سأل رئيس البلدية عن معنى « الديكفوس» تبين له أن المر تلعثم في الكلام وقصد «الفايسبوك». حادثة تكررت لاحقاً مع عدد من رؤساء بلديات نائب بتغرين الذين فضحتهم «التاغ »، فأظهرت صورهم في اجتماعات مع نواب التكتل وأيضا في عدد من المناسبات الخاصة بالتيار الوطني الحر. بعضهم أقفل حسابه الفايسبوكي تفاديا لأي حوادث من هذا النوع، وبعضهم من تمنى على النواب عدم نشر الصور التي يظهرون فيها، فيما اختار القسم الثالث أن ينشر في المقابل صورا له ولأبو الياس يدا بيد مرفقة بـ «ستايتوس» فيه من المديح والاشادة بالمر قدرا يحميه من مكالمة هاتفية صاخبة لا تحمد عقباها.