تطرح الحرب الدائرة في سوريا العديد من الأسئلة من وجهة نظر الخبراء في العلاقات الدولية، الذين باتوا يلاحظون أن هناك نوعاً من الحرب الباردة القائمة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وروسيا العائدة بقوة إلى الساحة الدولية وحلفائها من جهة ثانية، ما يعني أن هناك إحتمالاً كبيراً لإندلاع العديد من النزاعات الجانبية الأخرى.
في الحرب الباردة السابقة التي إنتهت مع سقوط الإتحاد السوفياتي السابق، هناك العديد من الدول التي ولدت، في حين إختفت أخرى، وبالتالي يكون السؤال عن إحتمال تكرار السيناريو نفسه في هذه الأيام مشروعاً، فهل تشهد المنطقة العربية مخاض ولادة "سايكس- بيكو" جديد؟
الحرب الباردة في عالم متعدد الأقطاب
على الرغم من الإختلاف في وجهات النظر في قراءة الأحداث المتسارعة على الصعيد العالمي، هناك شبه إجماع على إنتهاء النظام القائم على الأحادية القطبية على صعيد العلاقات الدولية، وعلى ولادة نظام جديد قائم على التعددية القطبية.
من وجهة نظر أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور وليد عربيد، العالم اليوم متجدد على صعيد علاقاته الدولية، وهناك إعادة ترتيب من ناحية النفوذ والتأثير، ويشبه الأمر بالذي حصل بعد مؤتمر يالطا في السابق.
ويرى الدكتور عربيد، في حديث لـ"النشرة"، أن هناك إعادة ترتيب على الساحة الدولية بين جبهتين، الأولى بزعامة الولايات المتحدة، أما الثانية فهي بزعامة الصين، وتضم مجموعة دول "البريكس"، ويشير إلى أن العالم في هذه المرحلة يعيش مرحلة تعدد الأقطاب، وكل قطب يمتلك صورة مختلفة عن الآخر، ويوضح أن الإتحاد الروسي هو الوريث الشرعي للاتحاد السوفياتي، وهو قريب من الأزمة السورية ومن أزمة النووي الإيراني، في حين أن هناك "كباشاً" بين الصين والولايات المتحدة في منطقة شرق أسيا، ويؤكد أن هناك دوراً أوروبياً في هذه الحرب، وإن كان لا يزال ضعيفاً.
من جانبه، لا يرى مدير كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية-الفرع الثاني الدكتور إبراهيم شاكر أن هناك حرباً باردة بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، لكنه يؤكد أن هناك صراع مصالح بين العديد من الدول، ويشير الى أن أعنف صور هذا الصراع موجودة في سوريا اليوم، التي يعتبر أنها تقدم نموذجاً عن بداية التحولات في النظام العالم الجديد.
ويلفت الدكتور شاكر، في حديث لـ"النشرة"، الى أن هناك عودة روسية إلى الساحة العالمية من أجل إستعادة الدور السابق إنطلاقاً من الشرق الأوسط، ويشير إلى أن هذا الدور بصورة أشمل يعني الحديث عن دول مجموعة "البريكس".
"سايكس بيكو" جديد
بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط، يلفت الدكتور عربيد الى أن العالم يتأهب اليوم للاحتفال في الذكرى المئوية لتوقيع إتفاقية سايكس بيكو، ويعتبر أن ترتيب هذه المنطقة من زاوية المصالح الأميركية يرتكز على مقولة ثابتة، وهي حماية أمن إسرائيل، ويؤكد أن هذا الترتيب ضمن مستجدات الصراع على سوريا يبقى هو أساس في أي معلم قد يبرز في هذا الإطار.
ويعتبر الدكتور عربيد أن إعادة الترتيب هذه، ستتضمن ولادة دولتين جديدتين في المرحلة المقبلة، هما الدولة الكردية ودولة فلسطينية منزوعة السلاح تكون مهمتها الأساسية حفظ أمن إسرائيل، ويتوقع أن يؤدي ذلك إلى غياب دولة ثالثة هي الأردن.
من جانبه، يؤكد الدكتور شاكر أن الحديث عن "سايكس - بيكو" جديد في المنطقة موجود بقوة، ويشير إلى أن هذا الأمر يعود إلى ما قبل بداية "الربيع العربي" أو "الربيع التكفيري"، ويلفت إلى أن هناك العديد من الخرائط الموجودة في الإدارة الأميركية، والتي سرب بعضها في وسائل الإعلام، لكنه يربط إعادة الترتيب هذه بمواقف باقي الجهات على الساحة العالمية.
بالنسبة الى موضوع الأردن، يرى أنه مرتبط بمعادلة الصراع العربي الإسرائيلي، ويلفت إلى أن الموضوع الأردني مرتبط بالصراع القائم في سوريا، حيث لا يرى مصلحة للنظام الأردني بمعاداة النظام السوري، أو الرهان على نظام جديد على إعتبار أن لا أحد يعلم ماهية القادم، ويعتبر أن المشهد لا يزال قاتماً في المرحلة الحالية.
أما في ما يتعلق بالحديث عن ولادة دولة كردية، يشير الدكتور شاكر إلى أن تصادم المصالح الكبرى كان ينعكس دائماً على الموضوع الكردي، ويعتبر أن هذا الموضوع يرتبط بشكل أساسي بالموقف التركي، لا سيما بعد الإتفاق الذي حصل بين رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، ويوضح أن الحديث عن ولادة دولة كردية يعني أن هناك تقسيماً في تركيا، ويشدد على أن عودة ما يسمى بـ"العثمانيين الجدد" غير ممكنة.