الأول من شهر أيار هو عيد العمال، وفي هذا العيد يسأل الشباب اللبناني عن مصيره في بلد تكاد تكون معدلات البطالة فيه متساوية لمعدل العاملين، ناهيك عن حقوقهم المهدورة. وكما للعمال عيدهم فان العاطلين عن العمل يطالبون بعيد لهم أيضا كي لا يزداد إحساسهم بالتهميش. فعيد العمال او الطبقة الكادحة الذي هو من أهمّ الاعياد لأنه يكرم أناسا عملوا بجد في سبيل لقمة العيش الكريم، أصبح يشكل في حاضرنا يوما حزينا لـ 34% من الشباب اللبناني لانه يذكرهم بعجز دولتهم وصعوبة العيش فيها، ويوما حزينا أيضا للعمال أنفسهم الذين يشعرون بأنّ حقوقهم حبر على ورق.
المطلوب سياسة اقتصاديةعامة
نسبة البطالة هذه قدّرها البنك الدولي في آخر إحصاء له عن معدّل البطالة بين الشباب في لبنان وذلك من دون وجود أي احصاءات رسمية لبنانية حول الموضوع أساسا، اذ يبدو أنّ المسؤولين في لبنان غير مبالين على الاطلاق بما يسمى بطالة وتداعياتها السيئة جدا على الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كما قال الخبير الاقتصادي لويس حبيقة في حديثه لـ"النشرة"، مشيرا إلى وجود تقريرين شاملين دوليين صدرا سنة 2013 بشأن موضوع العمل والبطالة وهما تقرير البنك الدولي السنوي للتنمية WDR وتقرير الأجور الصادر عن منظمة العمل الدولية، يلفتان إلى خطورة البطالة وتأثيرها ليس فقط على النمو وانما على الاستقرارين الاجتماعي والسياسي. ورأى حبيقة أنّ المطلوب في كل دولة وفي لبنان بشكل خاص سياسة اقتصادية عامة تتيح توفير فرص العمل، وفي نفس الوقت ايضا المطلوب تحديد سياسة عامة للاجور في القطاعين العام والخاص، معتبرا ان سياسة الاجور هي النقطة الاهم في هذا المجال.
الاجور تجعلنا كالعاطلين عن العمل
من المشاكل الاساسية التي يعاني منها العمال هي الاجور، فالاجر يحدد طريقة عيش الانسان. الانسان الكادح يعمل من اجل توفير لقمة عيش كريمة له ولعائلته، ولكن عندما يكون تعبه لاكثر من 8 ساعات يوميا لا يؤمن له حاجاته الاساسية سوى لعشرة او خمسة عشر يوما فما نفع العمل، واين حقوق العمال؟
علاء حسن الذي تحدثت معه "النشرة"،هو احد هؤلاء العمال الذين يعتبرون ان العمل في لبنان هو كالبطالة: "اعمل في معمل للزجاج 10 ساعات يوميا وما اجنيه ادفعه لايجار المنزل ودفع الفواتير المتوجبة علي". اضاف: "نعيش في لبنان اذلاّء فالعمال هم من الطبقة المذلولة لان اجورنا لا تقارن بمصروف ابن مسؤول لبناني عمره 5 سنوات".
الاجور حسب حبيقة تشكل ركيزة اساسية من ركائز الاقتصاد، ولذلك "في كل دولة هنالك حد أدنى رسمي للأجور يسمح للفرد بالعيش بكرامة"، مشيرا الى ان تحديد الحد الادنى يخضع لمعايير علمية أهمها دراسة تكلفة المعيشة عبر اعتماد مؤشر واقعي للأسعار يرتكز على سلة استهلاكية معقولة للمواطن العادي بحيث لا يمكن أن يكون الحد الأدنى مرتفعا كما لا يمكن أن يكون منخفضا لا يسمح للعامل بالعيش بكرامة. وقال حبيقة: "من اهم الحلول لقضية الاجور هي رفعها سنويا بنسبة معينة من غلاء المعيشة لان تصحيح الاجور يساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية".
حقوق العمال ضائعة
سياسات الاجور في لبنان غير موجودة وعند زيادة الحد الادنى او زيادة الاجور نجد ان غلاء المعيشة بالانتظار، فدائما تكون زيادة الاسعار اكثر بأضعاف من زيادة الاجور. الا ان الاجر ليس المشكلة الوحيدة التي يعاني منها العامل اللبناني، فحقوق العمال هي ايضا أمر أساسي يجب التوقف عنده. علي. ب هو احد العمال الذين عانوا الامرّين مع المسؤولين عنهم: "عملت في أحد المحلات التجارية الكبيرة وطردت تعسفا، هذا بالاضافة لما كنت اعاني منه خلال فترة عملي من حرمان لحقوقي بالعطلة، والعمل لساعات طويلة والاجر القليل"، واضاف: "عندما سألتني الان عن عيد العمال اعدت الي اللحظات البشعة التي عشتها في ذلك العمل، فأنا كنت عبدا لصاحب العمل والحاجة دفعتني للتحمل، وكلما طرقت بابا لمحاولة تحصيل حقوقي ادركت اكثر فأكثر ان لبنان ليس بلد الحقوق". هذا الرجل هو واحد من كثيرين يتعرضون لاهانات ويعملون فوق طاقاتهم، كل ذلك لان الدولة اللبنانية غائبة وتشريعات العمل معطلة وغير مطبقة.
لويس حبيقة له رأيه ايضا في هذا الخصوص: "يجب أن تحمي القوانين الموظف والعامل من الظلم وسوء المعاملة كما من الصرف التعسفي، والمطلوب ضمانات اجتماعية وصحية للعمال ممولة من الدولة والشركات". واضاف: "هناك نظام دولي للعطلة الرسمية والاجازات لا يمكن تخطيه، بالاضافة الى العطلة السنوية المهمة جدا لاراحة العامل وللسماح للمؤسسة بتدوير العمل بحيث ترتفع الانتاجية".
كل هذه الامور لا يمكن ان تتحقق وحدها، فحبيقة رأى انه بالرغم من دور الدولة المركزي في هذا الخصوص يبقى من المهم جدا أن "يكون هنالك صوت للعمال أفرادا ومجموعات عبر تشكيل النقابات الفعالة وليس النقابات الوهمية كما هو الحال لدينا اليوم"،لافتا الى ان الحياة النقابية مهمة جدا وظروف العمال في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها لم تتحسن الا بفضلها.
لا يكفي ان نحتفل كل عام بعيد للعمال ونترك مصيرهم معلقا على حبال الوعود بغد افضل. لا يجوز ان يبقى العامل اللبناني رهينة صاحب العمل يتحكم به كما يشاء دون حماية حقوقه. العامل اللبناني يريد حقوقه اولا واخيرا، يريد اجرا يسمح له بالعيش الكريم دون حاجة للاستدانة وطلب المساعدة. لا ننسى ايضا العاطلين عن العمل وما اكثرهم في لبنان، هؤلاء يريدون من دولتهم العليّة ان تنظر اليهم وترأف بحالهم، فمعظمهم من اصحاب الشهادات الجامعية، ينتظرون فرص العمل التي وعدوا بها. وعود كثرت دون جدوى، وتعطيل العمل في عيد العمال لا يكفي. عيد العمال في لبنان يذكرنا بواقع مرير يعيشه من يعمل ومن هو عاطل عن العمل.