كان يمكن للقاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بوزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل ونائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي أن يصنّف في خانة اللقاءات العادية الموازية لاجتماعات لجنة التواصل النيابية، ولو في غياب حزب الكتائب وتيار المردة. الا أن تنامي شعور المردة بالغبن والاستبعاد من حليفه العوني، وتباين الآراء السياسية بين قيادتي القوات والكتائب في العلن، تُرجِم على مائدة بكفيا خلال زيارة النائب سليمان فرنجية للنائب سامي الجميل الأربعاء الماضي. ولم يكد «المستبعدان» يلتقطان أنفاسهما حتى باغتهما حليفاهما بعد خمسة أيام بـ«استبعاد» آخر، ولو كثرت المبررات.

لا يعني الفرزلي كل الكلام عن استثناء المردة والكتائب من لقاء أول من أمس. ولا حاجة هنا «لتحميل الموضوع أكثر من حجمه، ففرنجية والجميل الابن كانا خارج الأراضي اللبنانية يومها». وغياب ممثلي الحزبين يجد تبريراً هو الآخر عند عراب الأرثوذكسي، اذ لم تتوقف الاتصالات مع القيادي في تيار المردة يوسف فنيانوس طيلة ليل الاثنين. وبالتالي «أطلعناه على أجواء الاجتماع». أما الكتائب، فسيوضعون اليوم في الأجواء نفسها خلال زيارة الفرزلي لشيخ بكفيا الصغير. والشيخ نفسه، في المؤتمر الذي عقده أمس، سُرّ بسير معراب وفق المنهاج الكتائبي التاريخي القائل «بعدم اقفال باب الحوار على أحد»! وأيضا لم يسعه كتم فرحته: «كلما جلس اثنان وتحاورا سنكون مسرورين».

في الرابية أيضا، الأجواء هادئة ومرتاحة لمجريات الأمور. يستطيع العونيون أن يرووا لساعات نتائج الزيارة وأبعادها، فيما لا يجدون تعليقا واحدا على استثناء حليفهم الزغرتاوي: «إسألوا المبادر (أي الفرزلي)، نحن لبينا الدعوة فقط». سريعا يبدد الفرزلي الغموض العوني نافيا أن يكون عراب اللقاء، فالأخير كُلّف بمهامه التنسيقية من «قيادة الرابية العليا».

يُمكن كل الحجج السابقة أن تُخفف من احتقان الجميل وفرنجية، ولكنها لا تلغيه بتاتا. كما باستطاعة «المرديين» أن يكتفوا بذكر الخلاف بين القوات والبيك لتبرير عدم وطء أقدامهم عتبة معراب، الا أن مجرد البوح بحقيقة أن «الدعوة لم تصلهم أصلا» يزيد في طين الخلافات بلة. والواقع أن تلك الخلافات لم تبدأ بمعارضة المردة تكليف رئيس الحكومة تمام سلام ولا عدم حضوره اجتماع المصيطبة مع حلفائه. ووفقا لأحد المقربين من فرنجية، كل ما سبق «كان ردة فعل». أما الفعل الأساسي، فكان يوم توقيع وزير الدفاع المردي فايز غصن قرار التمديد لمدير المخابرات في الجيش اللبناني إدمون فاضل لمدة شهر واحد رغم اعتراض عون على مسألة التمديد بالاجمال. وعندما استعر الخلاف بين الرابية وزغرتا آثر غصن تعقيب التمديد السابق بتمديد آخر لمدة خمسة أشهر.

من جهته، لا يقيم الكتائب وزنا لذاك اللقاء الثنائي وبنظره «الحقيقة في مكان آخر، فليس كل خبر مُعلن مهماً ولا كل مهم مُعلناً». ولا مانع أصلا من رؤية ممثل عون عند جعجع، ما دام لا خلاف كتائبياً مع الطرفين وأن «الجميل وُضع في أجواء ما قبل الاجتماع وبعده». فالخلاف الرئيسي هنا بين جعجع وعون، يستدرك أحد الكتائبيين، لذلك كان لا بدّ من تذليل العقبات في ما بينهما من أجل اللقاءات الموسعة التي ستُعقد مستقبلا للتباحث في القانون الانتخابي. الا أن ما يخفيه الكتائبي يكمن في تفاصيل ذلك القانون وتباين الآراء العلني بينه وبين حليفه القواتي وخصمه العوني. ففي الوقت الذي يجاهر فيه القوات بدعمه الأرثوذكسي في اللجان النيابية كما في الاعلام، حاول الكتائب في المناسبتين التنصل من هذا التأييد عبر امتناع بعض نوابه عن التصويت. تلت كل ذلك مناكفات علنية بين الطرفين تخللتها مهاجمة جعجع الشرسة لنجل شقيقة الرئيس أمين الجميل فؤاد أبو ناضر عشية تكريمه في بكفيا، ما استدعى هجوما خجولا لسامي الجميل على القوات في حفل التكريم نفسه.

في حسابات القوات اليوم، لا قيمة اضافية لأصوات آل الجميل ورجالهم اذا تمّ الاتفاق «المبكّل» مع التيار الوطني الحر على المسلمات الانتخابية وتوابعها. وفي العمق العوني، شروط اللعبة متشابهة: حدود البيك هي زغرتا، ولا ينبغي للحليف أن يغرد خارج سربه. تتشارك معراب والرابية في تفنيد الجملة الأخيرة، اذ إن اقصاء «المتمردين» محلل اذا كانت «المصلحة المسيحية العامة» تقتضي ذلك!