كانت زيارة رئيس الحكومة المكلف تمام سلام لعين التينة امس متوقعة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ووضعه في الحصيلة النهائية التي توصل اليها في تشكيلته الحكومية التي لم تنل قبول فريق8 آذار الذي يلوّح بـ"الويل السياسي" اذا حملت توليفة "الامر الواقع" توقيع سلام ورئيس الجمهورية ميشال سليمان. وهذه المرة الاولى يزور سلام بري بعد تكليفه مهمة التأليف الشاقة. ولم يعد سراً ان مفاتيح اطلاق الحكومة اصبحت في يدي رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، سواء كانت "حكومة أمر واقع" او بما يرضي طموح افرقاء 8 آذار، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وما يحزّ في قلب بري انه بذل اقصى جهوده مع 8 آذار لتسير في قطار تسمية سلام، وانه سلّفه ثقة مسبقة ووفّر له كل الدعم ولم يتلقّ من دارة المصيطبة الثقة نفسها.
وتحول الحديث عن الوسطيين مادة للتندر في عين التينة يرفقها رئيس المجلس بضحكة لدى حديثه عن هذا النهج، وطريقة "توليد" الوسطيين وتبديل خياراتهم في هذه الايام، وهو يحوّر مثلاً شعبياً دارجاً من نوع "غطس شخص في الماء من 14 آذار وطلع وسطياً".
وسبق له ان شرح لرئيس "جبهة النضال الوطني" في آخر جلسة بينهما كيف طبّق الوسطية الحقيقية في اكثر من استحقاق، من البدء بالدعوة الى طاولة الحوار قبل اعوام، الى رعايته ولادة الحكومة الاخيرة للرئيس نجيب ميقاتي، فضلاً عن اكثر من ملف تعامل معه من زاوية وطنية وليس من رؤية 8 آذار او سواها.
ويتساءل رئيس المجلس عن عدم قبوله في نادي الوسطيين: "ليمنحوني هذا الشرف" في تسمية هذه الشريحة من الوزراء، ولا سيما انه لم يعارض "حكومة 8 – 8 – 8" أو ان يسمي وزيرا في جبهة الوسطيين.
ويدخل هنا في خانة الأرقام والحساب من باب: من اين يحق للوسطيين الحصول على ثمانية من الوزراء في حكومة من 24 وزيراً اذا جرى توزيع هؤلاء على جنبلاط وسلام زائد الرئيس سليمان وان كتلة جنبلاط زائد سلام تساوي تسعة نواب في وقت يبلغ مجموع نواب حركة "امل" و"حزب الله" 27 نائباً زائد 27 عند تكتل التغيير والاصلاح اي 54 نائبا يحصلون على ثماني حقائب.
ويسأل بري: "اي معادلة حسابية وصل اليها هؤلاء؟".
وتخوفاً من الوقوع في شباك شرور "الوزير التاسع" يسعى الرئيس المكلف الى التحرر من وطأته حتى لا يقع في تجربة "الوزير الملك" الذي مثله الوزير السابق عدنان السيد حسين الذي أدت استقالته الى فرط عقد حكومة الرئيس سعد الحريري، وان سلام لا يريد الوقوع في هذا الفخ وعدم تكرار هذه التجربة.
ويرد بري ان "تجربة حكومة من دون الوزراء الشيعة لم تكن مشجعة ايضاً".
ويقول (قبل لقائه سلام): "اقترحت على سلام أن اشكل أنا الضمانة في هذه الحكومة وأضمن عدم استقالة الوزير الوسطي الذي يمثلني بل الوزيرين المحسوبين على حركة أمل ايضاً. ونحن لا نذهب الى حكومة من أجل الاستقالة وعدم الانتاج".
الى ذلك، لم يعارض بري تطبيق رؤية سلام في اجراء المداورة في الحقائب وعدم ترشح الوزراء الى الانتخابات النيابية و"ان كان الهدف المضمر هو التخلص من الوزيرين جبران باسيل وعدنان منصور، ومع ذلك أنا مستعد للسير في هذا الطرح إذا كان يشمل الجميع ومن دون استثناء ولا نمانع أن تكون من 24 وزيراً".
وعند طرح حكومة الامر الواقع وخطرها على الحياة السياسية في لبنان، يستعين بالمادة 95 من الدستور التي تنص على تمثيل الطوائف في شكل عادل "وأين ضرورات الامر الواقع في النص الدستوري".
وهو يعرف جيداً خطورة هذا النوع من الحكومات وانعكاسها السلبي على الاجواء السياسية في البلاد.
ويبدو ان حكومة "الامر الواقع" التي حذر منها بري وسمع سلام منه مباشرة خطورة الاقدام عليها، ليس من باب التهديد بل من أجل عدم العبث باستقرار البلاد، وتحقيق المصلحة الوطنية وما يحصل في سوريا "الذي تخاف منه روسيا واميركا، فكيف الحال بنا نحن اللبنانيين".
هذه الرسالة أوصلها بري الى الرئيس المكلف ثم الى الرئيس سليمان، لأنه يبدو ان علاقة الآخير وبري "ليست على ما يرام" في ظل الغبار الحكومي الذي يغطي سماء البلاد. ولا يستبعد رئيس المجلس ان يمنح سليمان توقيعه حكومة الامر الواقع إذ يجيب أمام زواره بكلمة يتيمة "يفعلها".
وعن الاتهام الذي تلقاه من نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري وانه يتصرف من موقعه كرئيس لحركة "أمل" بثياب رئيس المجلس، يرد: "عليه ان يعرف هو ان حركة "أمل" والشرف الذي أحمله هما اللذان أوصلاني الى رئاسة المجلس"، ويدعوه الى قراءة جيدة لعبارة "لبنان وطن نهائي" التي وردت في الدستور، وهي مستقاة من كلام للإمام موسى الصدر.