هو "الجنون" أيضا وأيضا..
بدل أن يعمل المسؤولون لتداركه ويعود "الهدوء" ولو "الحذر" ليسيطر على الساحة، ازدادت موجات "الجنون" خلال الساعات الماضية، بل يمكن القول إنها توسّعت أكثر وأكثر، منبئة بأنّ "الآتي أعظم" طالما أنّ القرار السياسي بالتهدئة لم يصدر بعد، أو بالأحرى لا يُراد له أن يصدر..
هكذا، وعلى وقع استمرار أحداث مدينة القصير السورية بل انتقالها إلى مرحلة ثانية، وفي ظلّ ما يُحكى هنا وهناك عن "حرب لبنانية" على أرض القصير، كانت الاشتباكات في طرابلس تتفوّق على ما عداها، لا تخرقها سوى تصريحات تزيد "الطين بلة"، كما يقال، خصوصا لجهة الخطاب المتشنّج والتوتيري على كل الجبهات..
ولأنّ "جبهة واحدة" لا تكفي، كان "جنون" من نوع آخر يبصر النور من صيدا، حيث انعكست أزمة دار الفتوى "توترا غير مسبوق" ترجم بوجود مفتيين للمدينة أكد كلّ منهما لـ"النشرة" أنه "المفتي الشرعي" للمدينة، وللقصة تتمّة على ما يبدو..
المعركة حامية..
"جنون" طرابلس لم يتوقف إذا خلال الساعات الماضية، فطغى الوضع الأمني على ما عداه من ملفات واستحقاقات داهمة مع توتر جبهة "التبانة – جبل محسن"، وتحوّلت المدينة الى مسرح لاشتباكات عنيفة، شملت أحياء البقار، الريفا، الشعراني، الأميركان، جبل محسن، طلعة العمري، الحارة البرانية، سوق الخضار، ستاركو، بعل الدراويش، الملولة والمنكوبين، ووصلت القذائف الى عمق طرابلس، لا سيما مستديرة أبو علي والغرباء والزاهرية وشارع المئتين، ما أدى الى سقوط المزيد من الضحايا، علما أنّ مصدرا أمنيا كشف أنّ اشتباكات الساعات القليلة الماضية أدّت إلى سقوط ستة قتلى على الاقل بينهم عسكري، مما رفع عدد القتلى منذ بدء الاشتباكات قبل ثلاثة أيام الى 11 على الاقل والجرحى إلى أكثر من 50 .
وفي وقت لفت إعلان "الحزب العربي الديمقراطي" بدء معركة الدفاع عن النفس من معادلة "اليد التي ستمتدّ علينا سنقطعها"، على حدّ تعبير المسؤول الاعلامي في الحزب عبد اللطيف صالح، برز في المقابل الاجتماع الذي عقد في دارة النائب محمد كبارة والذي خلص إلى "مطالبة النيابة العامة التمييزية بالتحرك ضد ثكنة بشار الاسد التي تعتدي على طرابلس وحرمة بيوتها وأهلها"، وصولا حتى الدعوة إلى توقيف أمين عام "الحزب العربي الديمقراطي" رفعت عيد والمتورطين معه من "شبيحة الاسد وحسن نصرالله"، على حدّ ما جاء في البيان.
مفتيان بدل المفتي!
إلى صيدا، التي نالت "نصيبها" من "جنون" البلاد خلال الساعات الماضية، من بوابة دار إفتاء صيدا التي شهدت توترا غير مسبوق بعد أن احتدم الصراع على الإمساك بدار إفتاء المدينة، بين المفتي المعين من قبل مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الشيخ أحمد نصار والمفتي الممدد له سليم سوسان، وكاد الامر يتطور نحو الأسوأ، لولا تدخل الاجهزة الامنية. واللافت أن تفاصيل "الاشكال" الذي حصل تختلف بحسب هوية الجهة "الراوية"، وفي هذا السياق، أوضح المفتي المعيّن أحمد نصار، في حديث لـ"النشرة"، أنه أتى الى مبنى الدار صباحا مع تقاطر الناس والمحبين لتقديم التهنئة له، وأنه قام بالاتصال بالمفتي السابق للمدينة الشيخ سليم سوسان معلما إياه أنه ينتظره في مبنى الدار، ولفت إلى أنّ "الشيخ سوسان حضر بالفعل وأجرى بعض الاتصالات بشخصيات من تيار "المستقبل" الذين أكدوا له أنه لا اعتبار ولا قيمة لقرار مفتي الجمهورية بتعيين الشيخ أحمد نصار مفتيا لصيدا"، قائلاً: "انه بعد الطلب من الناس والحضور المغادرة، غادر الجميع باستثناء عناصر فرع المعلومات التي بقيت في مبنى الدار".
في المقابل، بدت رواية الشيخ سوسان مختلفة بالكامل، وهو أوضح، في حديث لـ"النشرة"، أنّ الذي حصل في الدار يعود إلى أن المفتي أحمد نصار المعين من قبل مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني دخل إلى الدار اليوم برفقة 40 مسلحاً، مشيراً الى أنه استقبله وطلب منه الذهاب إلى القضاء إذا كان لديه أي إعتراض. وإذ شدد سوسان على أن القوى الأمنية حمت الدار من المسلحين، أكد أنه باق في موقعه بشرعية الهيئة الناخبة والقوى السياسية وفاعليات وأهالي المدينة، مشدّدًا في الوقت عينه على رفضه الفتنة المذهبية والدينية.
هذه التطورات المتسارعة استدعت خروج دار الفتوى عن صمتها، إذ أصدرت ليلا بيانا اتهمت فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، "بتوجيه ومساندة من بعض رؤساء الحكومة السابقين"، بمخالفة الشرعية وخرق القوانين، لافتة إلى أنّ "رئيس حكومة تصريف الأعمال وبعض رؤساء الحكومة ومن خلال العمل على تحقيق مآرب تيار سياسي معين في السيطرة على دار الفتوى والأوقاف والمجلس الشرعي قد زرعوا الشقاق والنزاع بين أبناء الطائفة إلى حدٍّ لم يعد يحتمل أو يسكت عنه في البيت الواحد". واكد مفتي الجمهورية "على شرعية وقانونية تكليف الشيخ أحمد نصار مفتياً لصيدا ومناطقها كسائر التكاليف الصادرة عنه سابقاً لسائر المفتين".
كلمة أخيرة..
فيما لا ينبئ الوضع الأمني بالخير، لا يزال السياسيون اللبنانيين متردّدين في الخيار الأفضل المتاح بالنسبة لهم، بين تمديد يتوخونه ويخشون من تداعياته، وانتخابات وفق قانونهم المفضّل ولو غير المعلَن، الستين..
هكذا، لم تحمل الساعات الماضية أيّ جديد على الصعيد السياسي سوى تكرار المواقف إياها، فالقانون الأرثوذكسي على سبيل المثال لا يزال حيا بالنسبة للعماد ميشال عون طالما أنه لم يسقط في مجلس النواب، لكنه شبع موتا بالنسبة لكتلة المستقبل المصرّة على القانون الأرثوذكسي.
وبين الاثنين، قد يكون اقتراح العماد عون بالاحتكام إلى مجلس النواب هو الخيار الأمثل قبل فوات الأوان، وبعدها يبقى لكلّ حادث حديث...