في المبدأ، يكاد يضاهي تبرير نايلة تويني للتمديد تبريرات كل من خالد الضاهر ومعين المرعبي وجان أوغسبيان وميشال فرعون لإطالة مكوثهم في المجلس النيابي. ولكن حين تصبح حجة التمديد وعدم إتمام الانتخابات في موعدها «إكراهاً فرضه حزب الله»، يصبح الحديث عن قلة حياء بعض النواب أمراً مشروعاً. لا البندورة هنا قادرة على تلوين وجناتهم ولا هم يستترون. إنهم النواب الذين لا يستحون
يتعلق الأمر بالحياء. في مجلس التمديد لنفسه الأسبوع الماضي وخارجه تلوّنت بعض الوجوه بالأحمر حياءً. تجنب بعض النواب الكاميرات وحتى أصدقاءهم بين الصحافيين، خجلاً، فيما «تبختر» آخرون كالطواويس من شاشة الى أخرى. كان يمكن النائب بطرس حرب أن يمرر الجلسة وهو الحريص دائماً على الظهور بمظهر الخبير الدستوري والعالم القانوني ورجل الدولة. كان باستطاعته القول في اليوم التالي إن النوم دهمه في الجلسة فلم يرَ ما حصل. لكن لا، طلب حرب الكلام. تمتم بعض زملائه فالتفت صوبهم معاتباً. حاول الرئيس نبيه بري التغاضي عن طلبه. ارتفعت أصوات عدة تطالبه بالسكوت. ولكن لا، لا يمكن لحدث تاريخي كهذا أن يمر على حرب مرور الكرام. يتطلب الأمر كتيبة على الأقل لإيقاف القائد السابق للواء تنّورين. هو ليس كسائر زملائه ليرفع يده ببساطة. لا بدّ أن يشرح لهم لماذا يمددون لأنفسهم. لا بد من ذلك ليتصالح «شيخ» القانون مع نفسه. خطّ مسبقاً ما سيقرأه على مسامعهم. هم لا يعلمون أسباب التأجيل وهو يعلم. على الرئيس نبيه بري إطالة مدة الجلسة خمس دقائق إضافية عن المدة المحددة لها لينهي حرب مطالعته ونظريته ودورسه. وفي النتيجة يفهم الجميع أنه حريص على «تداول السلطة» لولا «الظروف الأمنية المتدهورة والأحداث المتنقلة». يتلقف رئيس المجلس نبيه بري مزحته، ويبهّرها بضرورة التمديد «لقلة حركة السير في بيروت بعد الظهر». وما دامت أجواء «الحرص» سائدة، كان لا بد للنائب سامي الجميّل من أن يسجل حرصه على إدخال تعديل يؤكد عدم دفع تعويضات عن الفترة الممدة. ليست تلك سابقة بالنسبة إلى الجميّل، فخلال جلسات لجنة التواصل الفرعية، حرص وشدد وجزم بضرورة أن يدفع النواب نفقات إقامتهم في أحد فنادق ساحة النجمة، لكنه سرعان ما «خجل» ووافق على أن تُدفَع التكاليف من موازنة مجلس النواب.
لا حرب خجل ولا الجميّل احمرّت وجنتاه في نهاية الجلسة. ولكن حرب لم يكتف بذلك. أراد نقل مسرحيته الى خارج الجلسة. هرول في قاعة المجلس باحثاً عن آلة طباعة توصل «أطروحته» كاملة الى العدد الأكبر من وسائل الاعلام. أوصاهم بقراءة أسباب قبوله التمديد حتى آخر كلمة، وللمرة الأولى، فاض الرجل خجلاً من «تورط حزب الله في الدماء السورية». حرب وحده «يخاف على لبنان». ومن كثرة الخوف غسل يديه من «دم الديمقراطية» تصدياً «لدولة حزب الله». الخوف نفسه دفع رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة في تموز 2006 الى تقبيل وجنتي السفيرة الأميركية السابقة في لبنان كوندوليزا رايس بشغف ممزوج بالدموع لغسل يديه من «مغامرة» حزب الله. هو السبب عينه الذي دفع به الى التمرد على حياء الديمقراطية يوم الجمعة الماضي، بعد أن خطفها حزب الله من أحضان تياره «للمشاركة في معارك سوريا». لذلك، كان التمديد «حسناً» رغماً عن اقتناعات السنيورة بأنه «ليس حسناً». ولكن ما بيد «الريّس فؤاد» حيلة، لا هو ولا كتلته ولا «المستقلون» تحت عباءة المستقبل. «سلاح الحزب» أكرههم على التمديد. ألم تروا نواف الموسوي ومحمد رعد وعلي عمار ومحمد فنيش وحسن فضل الله وحسين الموسوي وغيرهم يصوبون بنادقهم إلى رؤوس «المحرَجين»؟ إن لم تروا الحادثة، فالأكيد أن «حزب الله غير الراغب في إجراء الانتخابات» أرسل مصطفى بدر الدين شخصياً لحذف المشهد من أشرطة الكاميرات.
انتهت الجلسة وسلك التمديد طريقه الدستوري بـ97 صوتاً نيابياً، ولم يستح هؤلاء أيضاً. انكفأ نواب الأحزاب عن الشاشات ريثما يتوافر وقت كافٍ لمحو التمديد من ذاكرة الرأي العام. رئيس حزب القوات اللبنانية ونوابه اختاروا الصمت طريقاً لخلاصهم من ألسنة مقاطعي التمديد. رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري هو الآخر انكفأ «مكرهاً» عن التغريد على تويتر. وحدهم بعض نواب المستقبل لم «يستتروا». من أكرَهَهم على التمديد عجز عن كمّ أفواههم، فباشروا في اليومين الماضيين إغراق الصحف وشاشات التلفزة بسيناريوات دونكيشوتية. عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت مثلاً اختار لنفسه خطاب الشيخ سعد الحريري السابق، ناعياً الحياة السياسية والديمقراطية بوجود السلاح (لا سلاح طرابلس بالطبع). وهكذا ضاعت الانتخابات. ولأن تصريح فتفت لـ«السياسة الكويتية»، ظن أن «مزحته البيضاء» ستمرّ من دون ضجيج، فأعلن بجرأة لم يعهدها إلا «الشيخ» أن «تمديد ولاية مجلس النواب ساهم في التخفيف من التوتر الأمني في لبنان»! وللصدفة لا يبعد مسقط رأس عضو كتلة المستقبل (المنية ـــ الضنية) سوى كيلومترات قليلة عن مدينة طرابلس الملتهبة قبل التمديد وبعده. ولأن كلمة السر واحدة، أطلّ النائب عمار حوري عبر شاشة إحدى القنوات اللبنانية ليقنع اللبنانيين لا الكويتيين بأن شعور «المستقبل بأن حزب الله لا يريد الانتخابات» كان في محله. حوري لم يرفع أصابعه العشرة تأييداً للتمديد، الشاشات تكذب. حوري يحب الديمقراطية ومستشار رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، محمد شطح، يحبها أيضاً. فالديمقراطية ألهمته أن يتكلم أخيراً. وما دام الجميع يتحدثون عن حزب الله والتمديد، فلمَ لا تكون له كلمة في هذا السياق؟ سجّلوا: «الأحداث السورية ومشاركة حزب الله فيها وتداعياتها على الوضع الأمني دفعتنا إلى الموافقة على تأجيل الانتخابات». انتهى التصريح، وها قد عاد شطح الى الواجهة الإعلامية، وينتظر اليوم شاشات التلفزة لاستضافته ضمن برامجها الصباحية. هو أيضاً يعلم الكثير عن تلك المسألة، حتى لو لم تتح له الفرصة لـ«التصويت مكرهاً» على التمديد.
من يطّلع على تصريحات هؤلاء يدرك سرعة غسل أفواههم من عباراتهم السابقة: «بتنكسر إيدي وما بمدّد»، «لا للتمديد»، «الستين ولا التمديد»! تنصّلوا من أوراق ترشيحهم الستينية، صوّتوا للتمديد وها هم اليوم ينكرون فعلتهم. مجدداً يتعلق الأمر بالحياء. الحياء الذي كان من المفترض أن يدفع النواب الى مصارحة الرأي العام بحقيقة تصويتهم للتمديد، بمرّ الأمر الواقع، بعدم قدرتهم على التوافق على قانون انتخابات إلا بالتسويات الاقليمية الدولية، بالخوف من خسارة الانتخابات، بالانتظار لانجلاء صورة الوضع السوري، أو أقله كان يمكنهم الصمت واحترام ذاكرة اللبنانيين. ولكن لا، لم يخجلوا. وجدوا في التلطي وراء ستار «الاستقرار والفراغ» سبيلاً للهجوم على حزب الله ولن يردعهم أحد. لن يغيبوا عن الشاشات بعد أن لاقوا محفزاً لتعبئة فراغ تصريحاتهم السياسية. انصتوا إلى حوري يخبركم في حديثه لـ«الأخبار» كيف ورّط حزب الله، حتى قبل مشاركته في المعارك السورية، طرابلس بتداعيات حروبه العبثية. انصتوا إلى نظرية النائب محمد الحجار الثاقبة حول «امتناع نواب التيار الوطني الحر عن التصويت للتمديد من أجل تغطية خسائر حزب الله في سوريا». يأبى هؤلاء الاعتراف للتيار بسيره من دون إكراه وفق اقتناعاته الداعمة «لتداول السلطة»، فيبتدعون الحجج لتغطية فشلهم. حدّث ولا حرج هنا عن تحالفهم مع النظام السوري لسنوات عديدة «بالإكراه»، ثم تحالفهم مع حزب الله «بالإكراه»، وتحالفهم الرباعي «بالإكراه»، وفوزهم بالأكثرية النيابية «بالإكراه»، والتمديد اليوم «بالإكراه»، تماماً كما الستين مليار دولار «بالإكراه»، وقطع حساب المالية دون إيصالات «بالإكراه»، والسيطرة على 23 مقعداً مسيحياً «بالإكراه»...
ليس بإمكان المتابع لتصريحات تلك الطبقة السياسية إلا شكر حزب الله نيابة عن اللبنانيين على «إكراه» نواب الأمة المفترضين على التصويت للتمديد مدة عام ونصف العام، بدل أربع سنوات إضافية فيما لو جرت الانتخابات وفق «الستين». ليس التمديد فاتحة «قلة حيائهم» ولا خاتمتها بالتأكيد. كلما زاد حرجهم سينقص حياؤهم. كلما تضاعف فشلهم سيُكرَهون على السير رغم اقتناعاتهم. لن يقف في وجههم أحد. لا البندورة قادرة على وصم وجناتهم بالأحمر ولا معاصيهم ستلزمهم بالاستتار. هم لا يستحون فيفعلون ما يشاؤون.