مع حديث الاعلام السوري الرسمي عن حسم معركة القصير وسيطرة الجيش السوري عليها بالكامل، وتشكيك قيادة "الجيش السوري الحر" لغاية الساعة بهذه المعلومات، يشير قادمون من المدينة السورية إلى أنّ الساعات الأخيرة شهدت معارك قد تكون الأعنف منذ اندلاع الثورة السورية قبل أكثر من سنتين، ويؤكدون أنّ مرحلة ما بعد القصير لن تكون كما قبلها لا من ناحية الميزان العسكري الذي بدأ يميل بشكل نافر لمصلحة الجيش النظامي، ولا لجهة السياسة التي تحولت إلى بازار إقليمي ودولي في ظل مواقف متقلبة ناتجة عن المشهد المتبدل ليس فقط في سوريا ولبنان، بل في المنطقة الاقليمية والعربية برمتها.
ويؤكد هؤلاء أنّ الجيش السوري، بمساعدة القوات المساندة له، كان قادرا على حسم معركة القصير خلال أيام قليلة لا تتعدى الأسبوع الواحد لولا التزام القوات المهاجمة بما وصفه هؤلاء بالمبادئ والقيم القتالية التي تدعو إلى حقن دماء الابرياء والمدنيين مع علمها أنّ المستهدف هو مجموعة قتالية تكفيرية تعد بالالاف وليس بالمئات كما يحاول بعض الاعلام العربي والغربي الترويج له، وبالتالي فإنّ المفاهيم القتالية تتغير بالكامل، "بحيث يتخذ الارهابيون من المدنيين دروعا بشرية من خلال التحصن في منازلهم المأهولة وتلغيمها منعا لاقتراب المهاجمين منها"، على حدّ تعبير المصادر.
لكنّ كلّ ذلك لم يمنع، بحسب هؤلاء، من تمكين الجيش السوري من استعادة المبادرة بشكل كامل، ليس فقط على مستوى مدينة القصير وريفها، بل على صعيد المعارك الدائرة في ريف دمشق وحلب وحماه مع الاشارة إلى أنّ ما تحقق في ريف دمشق لا يقل اهمية عن ذلك المحقق في القصير او في مدينة حماه تحديدا، كما ساهم في تغيير المعادلات السياسية، وهو ما برز من خلال رفع موسكو لسقفها التفاوضي في مقابل مسارعة واشنطن والغرب الى رفع اللهجة التهديدية من دون مقاربتها بمواقف عملانية تغير في المشهد العام.
وانطلاقا من هنا، يربط هؤلاء بين معركة القصير والتداعيات السياسية المرافقة لها، أكانت في لبنان ام في تركيا، فعلى الصعيد المحلي تؤكد المصادر أنّ معارك القصير كانت السبب الاول لاشعال الجبهة الطرابلسية من جهة ولترحيل الاستحقاقات الانتخابية والحكومية الى ما بعد بروز نتائجها واستثمارها في الداخل، فضلا عن أنها طرحت علامة استفهام حول مستقبل ومصير معاهدة "سايس – بيكو" بعد ان اتحت الحدود الدولية بين لبنان وسوريا من جهة البقاع بشكل كامل، وإن أزيلت الحواجز السياسية والديمغرافية والجيوسياسية. وبالتالي، يلفت هؤلاء إلى أن لا شيء يضمن عودة الأمور لما كانت عليه منذ شهر واحد فقط، ناهيك عن الضياع الكامل الذي برز في الساعات الاخيرة من خلال مناشدة فريق واسع من اللبنانيين وتدخلهم لدى "حزب الله" لتأمين خط آمن لاخراج المقاتلين الجرحى من ارض المعركة بعد التزامهم الصمت لفترة طويلة.
إلى ذلك، قد تكون نتائج هذه المعركة واحدة من الاسباب المباشرة التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات في تركيا، كما تقول المصادر، التي تلاحظ أنّ المستجدات في كل من اسطنبول وازمير وصولا إلى محاولة اقتحام مكتب رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان كلّها عوامل توحي ان الاسباب هي سياسية بامتياز، وذلك في ظل تطورات متسارعة تواكب الحديث عن التحضير لطبخة التسوية الموضوعة على نار روسية اميركية هادئة.