أعلنها الجيش السوري "محرّرة بالكامل"، فردّ معارضوه ليؤكدوا أنها "صامدة بالكاملة"..
هكذا، تبدو صورة مدينة القصير التي شهدت خلال الأيام القليلة الماضية أعنف المواجهات والاشتباكات في معركة قيل أنّ "تداعياتها" ستكون كبيرة سواء على الداخل السوري أو على الجوار، والساحة اللبنانية هي الأقرب على هذا الصعيد.
لكن، تماما كاشتباكاتها، بدت النهاية "غامضة" لغاية كتابة هذه السطور، فالجيش السوري أعلن "الحسم" والاعلام الرسمي تحدّث عن "عمليات خاطفة ونوعية" أسفرت عن "إعادة الأمن والأمان"، "سيناريو" لم يبد "واقعيا" برأي "الخصوم"، الذين أصرّوا على أنّ المدينة "صامدة" حتى إشعار آخر.
وبانتظار اتضاح الصورة أكثر خلال الساعات المقبلة، بقيت مدينة طرابلس اللبنانية في صدارة الاهتمام في ضوء موجة "الجنون" المتواصلة بل المرشحة للتفاقم أكثر وأكثر خلال الساعات المقبلة، أو عندما تنتهي "مهلة الساعات الثماني والأربعين" المستجدّة..
دفاع عن النفس؟!
لم تعد حرب طرابلس، التي وُصفت بـ"العبثية"، تحتمل السكوت أو التجاهل. لم يعد من الجائز التفرّج على "الجنون" يساهم في "تدهور" الحالة أكثر وأكثر. لم يعد من المقبول أن يواصل القادة السياسيون سياسة "النأي بالنفس" عن مدينة هي جزء لا يتجزأ بالبلد، ولم يعد من الممكن تحمّل "صمت" هؤلاء المسؤولين، "صمت" قد تكون عبارة "مريب" لتوصيفه لطيفة جدا.
ما يحصل في طرابلس يتطلّب أكثر بكثير من هذا الصمت. الضحايا الذين يسقطون يوميا يستأهلون من "الدولة" التفاتة ما، يستأهلون من السياسيين "غطاء ما"، لا يستأهلون "الشعارات الرنانة" بل "الأفعال الشجاعة والجريئة"، ونقطة على السطر.
هو لسان حال اللبنانيين عموما والطرابلسيين خصوصا في ضوء التطورات الدراماتيكية التي تشهدها مدينتهم، والتي لم تعد تنفع معها المواقف السياسية العالية اللهجنة هنا أو هناك، وهو ما ظهر خصوصا في الاجتماع الذي عقدته لجنة المتابعة المنبثقة من لقاء نواب طرابلس في منزل النائب محمد كبارة الذي لم يتردّد في اتهام السلطة السياسية وقائد الجيش والمؤسسة العسكرية بـ"التواطؤ مع النظام السوري" لاشعال الجبهة الطرابلسية، معلنا عن "مهلة" لن تتجاوز الساعات الثماني والأربعين "ستضطر" بعدها طرابلس لما أسماه النائب كبارة "الدفاع عن نفسها".
وفي وقت لفت كلام لوزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل أعلن فيه أن "غالبية المسلحين خرجت عن أوامر بعض السياسيين"، وأكد ارتباط المعارك بالوضع السوري قائلاً "إن مشكلات سوريا تنعكس سلباً لدينا، وخصوصاً في طرابلس"، جدّد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري التحذير من "مغبة الاستمرار في التمادي مع الذين يعبثون بأمن الطرابلسيين وسلامتهم ويتخذون من عاصمة الشمال رهينة لأوامر خارجية لا تريد الخير والاستقرار للبنان عموماً ولطرابلس على وجه التحديد"، مشددا على ان "حسم الوضع في طرابلس بات مطلوباً اليوم قبل الغد، وهذا يستدعي عدم الإبقاء على أي حي أو منطقة مقفلة في وجه الجيش والقوى الأمنية الشرعية".
ميدانيا، باشر الجيش في اتخاذ تدابير حازمة، انطلاقاً من جبل محسن، سعياً الى الإمساك بالوضع، حيث نفذ إعادة انتشار واسعة في جبل محسن، تخللها توقيف عناصر مسلحة وإزالة دشم عدة، ما أثار امتعاضاً لدى الأمين العام للحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد الذي أبدى تحفظا على تصرفات الجيش وإن تفهم طريقة تصرّفه، قائلا: "نحن شهدنا تصرفات من الجيش اللبناني لم نعتدها، لقد دخلوا بيوتنا وكسروها ولم نحرك ساكنا في وقت لا يدخل الجيش باب التبانة".
بين معركة القصير.. ودور "حزب الله"
سياسيا، وفيما ربط البعض كل الملفات الشائكة بـ"معركة" القصير، بدا أنّ الأخيرة "انتهت" أو اقتربت من "النهاية"، إذ أعلن الاعلام السوري الرسمي أنّ الجيش النظامي استعاد السيطرة على المدينة بالكامل بعد عمليات خاطفة ونوعية قام بها وأسفرت عن "القضاء على أعداد من الإرهابيين واستسلام أعداد أخرى وإعادة الأمن والأمان إلى المدينة كاملة"، على حدّ ما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا". لكنّ الرواية السورية الرسمية لا تزال موضع أخذ وردّ، وقد برز في هذا السياق ردّ مسؤول الاعلام المركزي في القيادة المشتركة لـ"الجيش السوري الحر" فهد المصري الذي استبعد صحة الرواية الرسمية باعتبار أنّ "الوضع أمس كان لصالحنا"، وذهب لحدّ التأكيد أنّ "القصير صامدة والنظام يحاول إسقاطها إعلاميا للعب على وتر الحرب النفسية لا أكثر ولا أقل"، وذلك قبل أن تذكر وكالة "رويترز" أن مقاتلي المعارضة أعلنوا الانسحاب من المدينة، علما أنّ الساعات الماضية شهدت "مناشدات غير مسبوقة" لفتح ممرّ آمن لاخلاء الجرحى من القصير، كان آخرها "النداء" الذي وجّهه رئيس الائتلاف السوري بالانابة جورج صبرا إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والذي حمل الكثير من المعاني والدلالات على هذا الصعيد.
وبين "الروايتين"، تستمرّ "الحملة" على "حزب الله" في ضوء مشاركته في القتال في هذه المعركة وذلك بالتزامن مع اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب اليوم في القاهرة والذي سيتناول في حيز واسع منه مشاركة "حزب الله" في القتال في القصير، وسط اتجاه لدى بعض الدول لطلب إدانته، بالتزامن أيضا مع حملة أميركية وأوروبية ومحلية على الحزب. وفيما وصف نائب رئيس تيار "المستقبل" النائب السابق أنطوان أندراوس، في حديث لـ"النشرة"، الحزب بأنه "الجناح العسكري لايران" وأكد أن برنامج عمله هو الفراغ في المؤسسات، شنّت كتلة "المستقبل" هجوما عنيفا عليه، واصفة إياه بأنه فرقة في الحرس الثوري الإيراني، ومطالبة إياها بسحب ما أسمتها "ميليشياته" من سوريا فورا، معتبرة أنّ الحياة السياسية والامنية والاقتصادية في لبنان لن تستقر أو تستقيم، "طالما استمر حزب الله بدوره الخطير والاجرامي في سوريا الى جانب النظام البائد"، على حدّ تعبيرها.
وعلى الصعيد الدولي أيضا، ندّد المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني بمشاركة "حزب الله" في قتل المدنيين في معارك القصير، واعتبر أنّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله "يعرّض استقرار لبنان وأمن اللبنانيين للخطر لحماية نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد"، مناشدا في الوقت عينه جميع الافرقاء "تجنّب الأعمال التي تجرّ الشعب اللبناني إلى الصراع السوري".
كلمة أخيرة..
كل شيء في لبنان "مجمّد" بانتظار "شيء ما"، "شيء ما" يختلف تفسيره بين الأفرقاء..
فإذا كان تأليف الحكومة ينتظر ظاهرا نتيجة "الطعن" بقانون التمديد الذي "لا يمكن قانونا إلا أن يُقبل" كما أعلن رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون، وفيما يربط البعض الأحداث الأمنية "المشبوهة" هنا وهناك بهذا "الطعن" أيضا وأيضا، لا يتردّد الكثير من السياسييون بإعلان أنّ الأمور مربوطة مباشرة بالوضع السوري وما يجري في القصير تحديدا..
هي نتيجة "النأي بالنفس" الذي تغنّت "الدولة" به طيلة المرحلة الماضية، فإذا بالوقائع تؤكد أنها لا تمارسه إلا على نفسها، وها هي طرابلس تعيش "تردّداته" فيما "الدولة" لا تفعل سوى "النأي بالنفس" إزاءها!