تحت عنوان "رجل جيّد في مهمة انتحارية"، عنونت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية تقريرها عن تكليف الرئيس الفلسطيني ​محمود عباس​ الأكاديمي الفلسطيني رامي الحمدلله رئيس جامعة النجاح الوطنية بتشكيل ​الحكومة الفلسطينية​ الجديدة بعد استقالة سلام فياض في نيسان 2013، وذلك في إشارة إلى أن فرصته في رئاسة الحكومة ستكون ضئيلة جداً، مع استمرار الأزمة المالية الخانقة التي تعصف بالسلطة الفلسطينية، والاشكاليات التي تواجهها، سيما أن مهمته الأولى تتلخص في تأمين الموازنة الهشة للسلطة، وتوفير رواتب الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين، في وقت أحدث تشكيل الحكومة الجديدة انتقادات حادة من قبل حركة "حماس" وحكومتها في غزة التي اعتبرتها مخالفة للقانون وغير شرعية وترمي إلى تكريس الانقسام وتتجاوز اتفاق المصالحة، وشاطرتها قوى اليسار هذا الموقف برفضها المشاركة في هذه الحكومة، فيما رحّبت حركة "فتح" بها وقالت إنها شرعية وقانونية وأتت وفق النظام الفلسطيني، ولا يجوز تسميتها بغير الشرعية قبل أن تعرض على المجلس التشريعي ويوافق عليها.

مهمات ووعود

وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة تحدثت عن شخصية الحمدلله وطبيعة علاقته بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومهامه الجديدة في الحكومة، كان أبرزها صحيفة "هآرتس" التي قالت أن الحمدلله يجب عليه أن يقنع الولايات المتحدة والمانحين الآخرين للسلطة بأنه جدي ونزيه وشريك بعيد عن الفساد، مشيرة إلى أنه لا يتمتع بنفس موقع سلفه سلام فياض.

وأوضحت الصحيفة أن الحمدلله غير معروف في واشنطن والعواصم الأوروبية، موضحة أنه إذا شعر الغرب بعدم وجود عاقل يحمي الخزينة الفلسطينية، فسرعان ما ستتوقف المنح التي تبقي السلطة الفلسطينية حية، على حد قولها، في وقت أكد فيه الحمدلله أن حكومته هي حكومة الرئيس وملتزمة ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية، مؤكدًا أنها ستولي اهتماما كبيراً للاقتصاد والصحة والتعليم، كما ستولي اهتماماً كبيراً لمقاومة الاستيطان، وسيعمل بكل طاقاته من أجل خدمة القضية الوطنية ودعم صمود الشعب الفلسطيني الذي يتطلع إلى الحرية والاستقلال.

تراجع لكل الاتفاقيات

في المقابل، أكد عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ​جميل مزهر​ أن تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة يعدّ تراجعاً لما تم الاتفاق عليه في القاهرة مؤخراً بين الفصائل الفلسطينية فيما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية، وبدء مشاورات تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة ذات مهام محددة كتحديد الانتخابات التشريعية والرئاسية، وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني وفق رؤية وطنية مشتركة وشاملة.

مزهر، وفي حديث لـ"النشرة"، أشار إلى أنّ تشكيل الحكومة في هذا التوقيت بالذات سيعيق كل الخطوات الفلسطينية باتجاه إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية، وتذليل كافة العقبات التي تعترضها في ظل المخاطر التي تحدق بها وتتعرض لها.

وأوضح مزهر أنّ هناك توافقا بين حركتي "فتح" و "حماس" على تأجيل وتعطيل ملف المصالحة والسير باتجاه إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي أضر بالقضية الفلسطينية، وأحدث حالة تراجع كبيرة فيها.

ولفت مزهر أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لن تشارك في الحكومة الجديدة ولا في مشاوراتها، لافتاً إلى أنها تأتي في سياق الابتعاد على كل ما تم التوافق عليه بين حركتي "فتح" و "حماس" وكافة الفصائل الفلسطينية في القاهرة، لأجل استعادة الوحدة الوطنية والمضي قدماً في إنجاز المصالحة.

وللمرة الأولى يدخل الحمدلله معترك السياسة، حيث يحظى بقبول فصائلي فلسطيني بصفته الأمين العام للجنة الانتخابات المركزية التي أشرفت على انتخابات الرئاسة وانتخابات التشريعي الأخيرتين اللتين شهدتا نزاهة وشفافية، إضافة إلى علاقاته الخارجية.

المصالحة معطلة

من جهته رأى الكاتب والمحلل السياسي ​طلال عوكل​ أن تشكيل الحكومة الجديدة من المفروض أن لا يكون له دور في إحداث مشكلة تعطل المصالحة الفلسطينية، لكنه أكد أن تشكيلها في ظل الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون يعد مؤشرا على أن المصالحة الفلسطينية معطلة، لافتاً إلى أن كل ما تم الاتفاق عليه بين الفصائل وكأنه إبر مخدرة ليس أكثر، وأن المصالحة متوقفة بفيتو أميركي إسرائيلي.

وفي حديث لـ"النشرة"، لفت عوكل إلى أن الاتفاق الذي جرى مؤخراً في القاهرة حول البدء بمشاورات تشكيل حكومة توافق خلال ثلاثة أشهر ومضى منهم شهر لم يعد في محله، إذ لم يحدث شيء، لكن انتهاء صلاحية حكومة سلام فياض، دفع الرئيس عباس نحو تشكيل حكومة جديدة.

وحول اعتبار حركة "حماس" وحكومتها في غزة، الحكومة الجديدة غير شرعية، أشار عوكل إلى أن كل شيء في فلسطين أصبح غير شرعي بما في ذلك الرئيس والمجلس التشريعي، لافتاً إلى أن الانقسام الفلسطيني تجاوز كل القوانين والشرعيات، وأصبح في شرعيات الأمر الواقع.