بدأت التحضيرات النهائية لمعركة استعادة مدينة حلب من أيدي عشرات ألوف المسلحين التكفيريين، الذين عاتوا في هذه المدينة التاريخية خراباً، وفك الحصار عن مدينتي نبل والزهراء القريبتين من الحدود التركية في أقصى الشمال السوري، من خلال اعتماد استراتيجية تقطيع أوصال المنطقة، للحؤول دون وصول الإمدادات للمسلحين، لا سيما على طريق حلب باب الهوى، فيما يستفيد النظام السوري من التناقضات القائمة بين الأكراد في مناطق حلب، لا سيما الفصائل المقاتلة التابعة لـ"الاتحاد الديمقراطي الكردي"، الذي يقاتل "لواء التوحيد" التابع لـ"الإخوان"، وتسانده كتائب "إسلامية" مدعومة من الاستخبارات التركية، وكذلك من دخول أكراد شمال العراق في مواجهة الجماعات التكفيرية، في وقت يتابع الجيش العربي السوري مهمة تطهير المدن الأساسية، وإحكام السيطرة عليها بعد تحرير مدينة القصير القريبة من حدود لبنان، فيما تتقدم القوات النظامية بشكل ملحوظ في الغوطة الشرقية والغربية، وتنظيف كامل المنطقة، وصولاً إلى إعلان دوما وحرستا قريباً مناطق آمنة، بعد الإنجازات اللافتة، ما يتيح إقامة محيط آمن بشعاع عريض جداً لحماية العاصمة وريفها بالكامل.
مصادر عسكرية رفيعة المستوى تؤكد لـ"الثبات" أن 16 بلدة طُهِّرت بالكامل في منطقة حماه، وأن عملية ربط المدن شارفت على الانتهاء.
وتقول المصادر ذاتها إن دمشق تتجه إلى نصر عسكري استراتيجي بكل معاني الكلمة، وإن الجيش العربي السوري أظهر تماسكاً وكفاءة وخبرة قتالية في كافة الميادين العسكرية، كما أن القيادة السورية طبقت إلى الآن بنجاح لافت نظرية "مَن يمسك الميدان العسكري يتحكم بالمسار السياسي".
في المقابل، تعاني الدول الحاضنة لكل الفصائل المسلحة من أزمات حقيقية، في ظل التنافس والتناقض بين تركيا وقطر من جهة، والسعودية من جهة أخرى، على أن الجهات التركية والقطرية تسعى لعرقلة أي حوار سياسي بوجود الرئيس السوري بشار الأسد، وترى أن أي حل سياسي للأزمة لا بد أن يستند إلى قاعدة مفادها تشكيل "حكومة انتقالية" بسلطة تنفيذية كاملة، بما في ذلك السلطة على القوات المسلحة، وهذا يعني من وجهة نظرهم إعادة النقاش بين الروس والأميركيين إلى المربّع الأول، أي ما قبل "جنيف"، حيث عاد التعقيد والتجاذب وشد الحبال بين الروس والأميركيين والأوروبيين المتملقين على الدوام، والذين يتماهون تماماً مع واشنطن، بعدما ساد الاعتقاد عقب محادثات لافروف - كيري في موسكو أن الأجواء تتجه نحو إيجابية ما في تسوية ترضي الأطراف كلها، إلا أن عدة عوامل تحيط حتى الآن بالعملية السياسية قد تكون عقبة أساسية أمام الحل المنشود أهمها:
1- الدور التركي - القطري، واستطراداً السعودي المعارض لفكرة الحل مع وجود الأسد.
2- اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الذي انتهت نقاشاته إلى قرار تسليح المعارضة السورية، وإن كان قرار تسليح المعارضة السورية إعلامياً فحسب، باعتبار أن التسليح قائم منذ مدة طويلة، وعلى مستويات مختلفة.
في المقابل، ردّت موسكو على هذا القرار بإعلان نيّتها إرسال صورايخ "اس-300" الاستراتيجية، ووضع ذلك في سياق الردع ومنع التدخل الخارجي، كما ردّت طهران بتنظيم مؤتمر أصدقاء سورية، الذي جمع أكثر من أربعين دولة، مستفيدة بالتأكيد من الإنجازات الميدانية السورية.
أمام هذا المشهد المتقلّب، يراقب الكيان "الإسرائيلي" الصورة بحذر شديد، متخوفاً من احتمالات تدهور جبهة الجولان، ويتابع بدقة مواقف إيران و"حزب الله" والقوى المؤيدة لهما في هذا الصدد.
في المحصلة، يمكن الاستنتاج من دون جهد أن الواقع السياسي يحدده التطور الميداني الآخذ في التصاعد بعد سيطرة الجيش السوري على أرجاء واسعة من الجغرافيا، وهذا عامل مهم وحاسم، مقابل تراجع قدرة المسلّحين العسكرية. وبالرغم من وجود مناخ دولي مؤيد للتسوية السياسية، واقتناع الغرب بحتمية الحل السياسي، إلا أن صعوبة تحقيق هذا الحل تبدو آنية من وجهة نظر تقول إنه لا يحق للنظام السوري وحلفائه تحقيق انتصار قالت عنه صحيفة "واشنطن بوست" المقربة من البيت الأبيض إنه صار وشيكاً.