حسمت النائبة نايلة تويني خيارها فور فوزها بالنيابة عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة بيروت الأولى، قبل أربع سنوات. التزمت منزلها بعيداً عن «قرف السياسة» وعدم قدرتها على تحقيق ما وعدت به. رغم ذلك، تقدمت تويني بأوراق ترشحها لولاية جديدة، بعدما استنجدت بجدها النائب ميشال المر لثني شقيقتها ميشيل عن الترشح على مقعدها.
«أنا حاضرة لمحاسبتي كل ثلاثة أشهر»، الكلام للنائبة نايلة تويني في الأسبوع الذي تلى فوزها بالمقعد الأرثوذكسي عن دائرة بيروت الأولى عام 2009. سبقته عام 2008 مقالة للصحافية نايلة تويني (قبل ترشحها) بعنوان «حاسبوهم»، أوردت فيه أنه «لو كان اللبنانيون، بكثرتهم الساحقة، يحاسبون زعماءهم وممثليهم فعلاً، لما كانت الأمور وصلت إلى ما آلت إليه من استغباء للمواطنين واستخفاف بعقولهم وخفّة في التلاعب بمشاعرهم وانفعالاتهم».
نايلة تويني 2008 و2009 هي نفسها نايلة تويني 2013 التي أجازت ليدها الارتفاع للتصويت على التمديد لنيابتها، بعدما شنّت على صفحات «النهار»، قبيل أيام من التمديد، حملة شرسة على «ضرب الديموقراطية وتداول السلطة»!
ربما لم تجد تويني في السنوات الأربع الماضية ما تحاسب نفسها عليه، متناسية منذ الأشهر الثلاثة الأولى لنيابتها «استغباءها للمواطنين والاستخفاف بعقولهم والتلاعب بمشاعرهم». وربما، أيضاً، لم تطلّع تويني أخيراً على كتيّبها الصغير الذي تضمّن برنامجها الانتخابي تحت عنوان «48 نعم»، ومنها: نعم لرفع الغبن عن الأشرفية والرميل والصيفي، نعم لإنشاء مديرية خاصة للبيئة في بلدية بيروت، نعم للحفاظ على ما تبقى من المساحة الخضراء، نعم لتسوية مخالفات البناء في منطقة كرم الزيتون، نعم لمجتمع ثقافي رياضي اجتماعي في بيروت الأولى، نعم لمشروع قانون عصري للاحتراف الرياضي، نعم لتطوير مشروع حكومة الظل الشبابية، نعم لتشريعات قانونية تكفل إعفاءات ضريبية، نعم لتوفير الظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية المؤاتية لاستعادة الشباب اللبنانيين المهاجرين، نعم لتخصيص الشباب والطلاب ببطاقات خاصة بهم للنقل المشترك والمسارح ودور السينما، نعم لتطوير أنظمة السجون، نعم لتعزيز الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية والمعاهد التقنية. لم تنجز تويني الكتيب عن عبث، بل تعمّدت طبعه «لأنه يمكن الناس العودة إليه ومطالبتي بما وعدت به بعكس الوعود الشفهية التي يمكن أن تتبخر بعد أيام من الانتخابات». ولكن أين نائبة الأشرفية من كل تلك الوعود المكتوبة؟
يبدو أن ابنة الشهيد جبران تويني التي تعهّدت بإكمال مسيرة والدها، أرفقت «لا» الى جانب كل «نعم» من الـ 48، منها «لا» للحضور إلى المجلس النيابي وتقديم مشاريع قوانين و«لا» للأشرفية وأهلها... فالنائبة، المشغولة بأمور غير نيابية، لا تملك متسعاً من الوقت، حتى للحديث الى الإعلام الراغب في تذكيرها بأنها واحد من «ممثلي الشعب» المئة والثمانية والعشرين. (حاولت «الأخبار» التواصل معها طوال الأشهر الماضية، وفي كل مرة كان مكتبها يعد بمعاودة الاتصال أو تحديد موعد للقائها، لكن ذلك لم يحدث).
قسم نايلة
«أنا نايلة جبران تويني، أعاهد من شرّفني حمل هذه الأمانة أن أكون وفية لكل كلمة قلتها في حملتي الانتخابية. وأنا أدعو الذين فوّضوني هذا الشرف إلى محاسبتي باستمرار وعدم انتظار أربع سنوات لهذه المحاسبة. فالوفاء للناس يعني الصدق والالتزام في الدرجة الأولى». يصعب اليوم على أهالي المباني «المخالفة» في كرم الزيتون، وأهالي حي السريان وغيرها من شوارع الأشرفية والرميل والصيفي الذين عاهدتهم تويني على «الصدق والالتزام» تذكّر مرة زارتهم فيها، ولا مشروع قانون يعنيهم تقدّمت به، أو حتى خطاب يلامس همومهم. بعضهم ربما نسي اسمها. في ذلك الحي البيروتي، ثمة من يتكلم عن غياب «ليلى تويني» بحسرة، وآخر يشكو قلة مساعدات «ليال» وغيابها عن الشوارع والشاشات، وعجوز توجهت الى مبنى «النهار» حيث مكتب «ليليان»، إلا أن أحداً لم يتح لها الدخول للتكلم الى ممثلتها. كذلك يسأل شباب الأحياء عن المجمع الرياضي الذي طال انتظاره أربع سنوات، وعن مكان التقدم بطلبات انتسابهم الى حكومة ظلهم، وعن المكتبة العامة والحدائق والمساحات الخضراء الحافظة للبيئة، وعن وعن وعن... فيما تكتفي شابة بترداد ما سمعته من تويني ذات مرة عن «أهمية التمثيل النسائي وضرورة إشراك المرأة في الحياة السياسية لتظهير دورها الفعال في المجتمع»، سائلة عما أفاد وجود شابة (أو نساء) في المجلس النيابي إذا كانت ستلازم منزلها. وفي موازاة غيابها الاجتماعي، غياب نيابي وعن اللجان التشريعية واقتصار حضورها على «الجلسات التي تستدعي التصويت» كما تقول.
أخيراً، سُجّلت لتويني ثلاث إطلالات علنية، مرة عندما توجّهت والنائب ميشال المر الى قصر بعبدا خلال الاستشارات النيابية الملزمة عقب استقالة الرئيس نجيب ميقاتي، وأخرى برفقة جدها أيضاً في نيسان الماضي الى منزل رئيس الحكومة المكلف تمام سلام، وثالثة قبل أسبوعين عند مرافقتها المر الى ساحة النجمة للتمديد لنيابتها ونيابته عاماً وخمسة أشهر. وبما أن حدود أرثوذكسية المر تتخطى المتن الشمالي، تفرّغ قبل يومين من انتهاء المهل الانتخابية لحلّ مشكلة فتاتي آل تويني (نايلة وشقيقتها ميشيل) على مقعد الأشرفية الأرثوذكسي. لم تهتم ميشيل، الشقيقة الصغرى لنايلة، لتحضير الأخيرة أوراقها لدى أحد مخاتير الأشرفية، فكانت أن أرسلت محاميها في اليوم التالي لتجهيز أوراقها هي الأخرى، علماً بأنها بدأت بإذاعة خبر احتمال ترشحها منذ نحو عام عبر وسائل الإعلام وصفحتها الخاصة على موقع «تويتر». وشجعتها على ذلك «مسيرة شقيقتها غير الناجحة» وفقاً لأحد المقربين منها. إلا أن تدخل المر لمصلحة نايلة ساهم في عزوف ميشيل عن التقدم بترشحها وفي إطاحة طموح الفتاة التي بدأت مسيرتها السياسية والاجتماعية عبر إطلاقها منتصف عام 2011 «مؤسسة جبران تويني» الهادفة إلى «إحياء أفكار جبران بين صفوف الشباب على كل المستويات»، والتي تعبّر عن آرائها السياسية ضمن عمود خاص في «النهار». ويقول أحد المقربين من المر إن السبب الوحيد وراء تزكية نايلة هو كونها الحفيدة الأقرب الى قلبه، بعدما قضت طفولتها وجزءاً من مراهقتها إلى جانبه في بتغرين.
أرثوذكسيّو الأشرفية
في الشقّ السياسي، أظهرت تويني خلال سنوات دراستها الصحافة المرئية والمسموعة في الجامعة اللبنانية ـــ كلية الإعلام، تعاطفاً مع العونيين، وقد منحتهم صوتها في الانتخابات الجامعية. إلا أنه مع عودة النائب ميشال عون الى لبنان وانخراط والدها في السياسة الى جانب قوى 14 آذار، تأثرت الأخيرة بخيارات والدها وباتت ترى في عون خصماً رئيسياً. لذلك تلتزم في مقالاتها الأسبوعية خط 14 آذار من خلال الهجوم على البطريرك بشارة الراعي عند مهاجمة تلك القوى له، وكذلك على التيار الوطني الحر وحزب الله، وتضيف الى قائمة خصومها حزب القوات ضمناً. فخلافاً لعلاقتها الجيدة مع النائبين ميشال فرعون ونديم الجميل وتيار المستقبل، لا علاقة مع القوات بعدما أخلّت تويني بوعدها للحزب بالانضمام الى كتلته فور فوزها. والكلام هذا جاء سابقاً على لسان منسق القوات في بيروت عماد واكيم الذي باشر، فور نكث نايلة بوعدها، عمله الانتخابي في الدائرة نفسها، وصولاً الى ترشحه أخيراً في مواجهتها على أساس قانون الستين. فالقوات «لن تسمح بتكرار سيناريو 2009 بوعد من تيار المستقبل ورئيسه»، يقول أحد المسؤولين القواتيين، علماً بأنه في المعركة الأرثوذكسية المقبلة في دائرة بيروت الأولى لن تحظى نائبة الأشرفية بالتسهيلات عينها التي وفرها لها متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة سابقاً، فضلاً عن تأكيد المرشحين من عائلة تويني وآخرين المضي في ترشحهم حتى النهاية هذه المرة. ففي 2009، خاض عودة معركة تويني، ضاغطاً على مرشحين من العائلة وخارجها للانسحاب لصالحها، غير أن خلافاً بدد المودة القائمة بين الاثنين، يُقال إن سببه زواجها بالإعلامي مالك مكتبي وتخييبها لآمال عودة الدينية والسياسية. يومها كانت تويني «حصاناً رابحاً» كونها ابنة الشهيد جبران تويني وحفيدة عميد «النهار» الوزير والنائب السابق غسان تويني. إلا أنه منذ عامين، استطاع واكيم (مرشح القوات) الاستفادة من ذلك الشرخ للتقرب من عودة وكسب مودته وبات، هو لا تويني، المرشح المفضل لدى المطران الأرثوذكسي. وبالتالي فقدت نايلة كل نقاط القوة التي حظيت بها في الانتخابات الماضية، سواء لجهة دعم عودة أو لجهة الظروف السياسية والتعاطف الشعبي معها.
كان يمكن النائبة نايلة تويني في جردة حساب نيابية فارغة من التشريع والعمل السياسي والخدماتي، أن تتفرغ لعائلتها وصحيفة جدها ووالدها، معلنة عزوفها عن الترشح لولاية أخرى، هي التي «قَرِفَت السياسة» واستسلمت «لعدم إمكانية تحقيقي إنجازات بمفردي». إلا أن ابنة الأشرفية التي ردت عقب انتخابها على منتقدي مطالبتها بالإنماء المتوازن في بيروت الأولى، صارخة أن «على هؤلاء المنتقدين أولاً القيام بمشاريع في مناطقهم ومع نوابهم الذين ينتخبونهم من دون تفكير»، لم تكن تدري أن كلامها سيرتد عليها في ما بعد ويضعها في خانة النواب المنتخبين من «دون تفكير». وعوضاً عن الاقتداء، أقله، بتجربة نساء البرلمان الناجحات في مناطقهن والمجلس النياب،ي على غرار ستريدا جعجع وبهية الحريري، نافست تويني النائبة جيلبرت زوين على لقب «الصامت الأكبر»، ولم تعمل إلا على ترسيخ صورة فشل النساء في تمثيل ناخبيهن والمجتمع. رغم ذلك، لا تزال تويني مقتنعة بأن تجربتها «الناجحة»في البرلمان تتيح لها تمثيل البيروتيين لأربع سنوات جديدة.
«نهار» نايلة تويني الصحافية
تواظب النائبة نايلة تويني على الحضور حديثاً الى مبنى جريدة «النهار» بشكل دوري والاجتماع ببعض رؤساء الأقسام والموظفين بعد مقاطعة دامت نحو عام. إلا أنه، بحسب الموظفين وخصوصاً العاملين في قسم الشباب، لا يتعدى حضورها الإطار الشكلي، فهي لا تمدهم بالأفكار وامتنعت منذ مدة طويلة عن ترتيب مقابلات أسبوعية مع أهل السياسة ومرافقتهم الى تلك اللقاءات. ويبرر زملاؤها لها غيابها بانشغالها الدائم في الإعداد لمقالها الأسبوعي التي تنشره كل نهار اثنين في الجريدة، وفيه تتناول نايلة القضايا السياسية، فاصلة نفسها عن الطاقم السياسي، فتبادر الى الهجوم على السياسيين والتنديد برغبة البعض في «نسف الأسس الديموقراطية واللحاق بالأنظمة العربية التي أصبحت في خبر كان» عبر إقرار التمديد، وكأنها لم تكن ضمن الـ 97 نائباً الذين صوّتوا لصالح التمديد. وهي لا تملّ من مفاجأة محبّيها، فقد تكرّمت عليهم بفرصة رؤية وجهها وسماع صوتها أيضاً عبر قبولها منتصف العام المنصرم المشاركة في تقديم برنامج «كلام نواعم» الذي يتناول قضايا اجتماعية. ولكن حتى في تلك الخطوة، التي تسجل «نشاطاً» لتويني، اختارت أن تطل عبر شاشة «mbc» السعودية! علماً بأن تجربتها في البرنامج النسائي الذي يحاكي قضايا المرأة لم تكن ناجحة هي الأخرى، فاقتصرت على الموسم الأول، مع أنها صرّحت سابقاً بأن العمل التلفزيوني يغريها ويعيدها الى «جذورها الإعلامية».