هو ذلك الارهابي الذي لطالما فاخر بأنه سيقاتل حتى الانتحار، أو ما أسماه هو بـ"الشهادة"..

هو ذلك الارهابي الذي لطلما ردّد بأنه لن يغادر باحة "مسجده"، الذي تبيّن أنه كان "مخزن أسلحة" لا "بيتا لله"، وأنه ليس ممّن يهربون أو يفرّون من المعركة..

هو ذلك الارهابي الذي كشف "أرشيفه"، الذي يشبه كل شيء إلا "الصدق"، كلاما كبيرا له من نوع أنّ الجيش "خط أحمر" وأنه، وفي حال نشب أيّ نزاع معه، فلن يلجأ إلا للمؤسسات باعتبار أنه ضدّ التسلح وضد العنف..

هو ذلك الارهابي الذي خرب عاصمة الجنوب ودمّر اقتصادها وقضى على "عيشها المشترك" الذي لطالما امتازت به، فحوّل حياة أهلها إلى "جحيم"..

هذا هو ​أحمد الأسير​، الإرهابي الذي أنهى الجيش الوطني اللبناني "ظاهرته" بالأمس وأراح مدينة صيدا من ثقله، وإن بقي مصيره مجهولا بعد أن بات "مفقودا"، ترجمة على الأرجح لـ"وعوده" التي تبيّن أنها "كاذبة كاذبة كاذبة"..

الجيش لم يخيّب الآمال..

وأخيرا، وبفضل سواعد الجيش الباسل، انتهت ظاهرة شاذة سمّيت "أحمد الأسير"..

انتهى أحمد الأسير، وانتهت معه عصاباته وإرهابيوه، ومعظمهم من غير اللبنانيين، والذين توزعوا بين قتلى ومصابين وموقوفين ومفقودين.

انتهى أحمد الأسير في عملية حاسمة للجيش اللبناني، عملية كان يجب أن تحصل منذ وقت طويل لولا "صبر" الجيش و"سكوت" السلطات السياسية المعنية على كل ممارساته "الشاذة" رغم كلّ ما كان لها من تبعات وتداعيات على أكثر من صعيد..

عملية الجيش في عبرا دامت نحو أربع وعشرين ساعة فقط لا غير، وانتهت بإحكام الطوق على مسجد بلال بن رباح، الذين تبيّن أنه تحوّل إلى مخزن للأسلحة يحتوي على "ما لذّ وطاب" منها، مع ملصقات عليها بعنوان "خاص المسجد"، في "ظاهرة" يجب أن توضع برسم أولئك "المشايخ" الذين لم يخجلوا من تصوير المعركة التي نفذها الجيش المنتفض لكرامته وكأنها "هجوما على مسجد وتدنيسا لحرمته"، علما أنّ كلّ المعطيات دلّت على حرص الجيش على عدم المسّ بذلك لا من قريب ولا من بعيد.

ولعلّ "أمر اليوم" الذي أصدره قائد الجيش العماد ​جان قهوجي​ شكّل أفضل ردّ على كلّ "الحملات" التي حاول البعض تنظيمها دون أن ينجح، إذ حرص على التأكيد على أنّ الجيش، الذي أنقذ البلد من الفتنة، هو وحدة متماسكة وانه لم يتعرض لطائفة ولا لدور عبادة ولا لأي رجل دين، وهو ليس مع فريق ضد آخر ولا مع طائفة دون أخرى، بل هو ردّ على مجموعة مسلحة اعتدت عليه عن سابق تصور وتصميم، بعدما حذر مراراً انه سيرد على النار بالنار.

وشدّد على أنّ الجيش جيش وطني ولا يفرق بين طائفة وأخرى ومذهب وآخر، وهو لجميع اللبنانيين، ويسمو باحتضانهم له وحريص على علاقته مع جميع الطوائف والقوى السياسية على حد سواء شرط احترامها القانون والحفاظ على المؤسسات.

والارهابي توارى عن الأنظار..

وإذا كان العماد جان قهوجي توجّه إلى القوى السياسية بالتأكيد على أنّ وقوفها إلى جانب ​الجيش اللبناني​ يجب أن يكون معبراً من أجل توطيد السلم الأهلي في كافة المناطق اللبنانية، مؤكدا أن الحل لا يكون باستهداف الجيش بل بقيام جميع القوى السياسية بسحب ذرائع التفجير والتنسيق مع الجيش من أجل استتباب الأمن وإنقاذ لبنان، فإنّ كلامه يأتي بعد "ارتباك سياسي" واضح في مواكبة معركة عبرا استمرّ على مدى يومين، حيث برزت بعض المواقف "الغريبة" التي حاولت دفع الجيش لـ"مفاوضات" مع قتلته تحت عنوان "إنساني" تارة و"سياسي" تارة أخرى.

"الارتباك" نفسه ظهر بعد إحكام الجيش الطوق على مسجد بلال بن رباح، حيث ظهر أنّ الارهابي أحمد الأسير لم يكن داخله وكثرت الروايات عن "هربه" من المجمع، تطبيقا لكلّ ما كان يقوله عن بقائه حتى اللحظة الأخيرة، وأنه ليس ممّن يهربون أو يفرّون من أرض المعركة، وإلى آخره من كلام كبير كان يقوله من سمّى نفسه "شيخا" وحاول زرع كل بذور "الفتنة" دون أيّ رادع.

وفي حين انتهت المعركة دون "تداعيات" تُذكر رغم كل التهديدات التي أطلِقت، علما أنها حظيت بـ"غطاء مباشر" من مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الذي شدّد على أن الاعتداء على الجيش هو جريمة بحق لبنان وكذلك دعوة المسلمين السنّة للانشقاق من الجيش، برزت مواقف لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي أكد أن "أي أمر ضد الدولة يجب أن يتم التعامل معه بقسوة"، ودعا إلى التمديد لقائد الجيش "فكفى نمتدح الجيش ولا نعطيه شيئا في المقابل".

كلمة أخيرة..

كما قالت "النشرة" بالأمس، ليكن أسير عبرا عبرة لمن يعتبر..

انتصار الجيش اللبناني على دعاة الفتنة لن يتجزأ، ويجب أن يؤسس لمرحلة جديدة يعرف فيها الجميع أن مرحلة "السكوت" ولّت، وأنّ الجيش اللبناني يجب أن يكون "خطا أحمر" عمليا وليس فقط في الشعارات..

الجيش انتفض لكرامته فأنهى ظاهرة شاذة لم يكن يفترض أن يُسمَح لها بالنمو، وهذه "الخطيئة" التي ارتكبتها السلطة السياسية، التي يفترض بها أن تعتبر قبل غيرها، وقبل فوات الأوان..