انتهت الأحداث المؤلمة في صيدا، لكن آثارها الدامية ما زالت تنزف من قلوب اللبنانيين عموماً، وأهل صيدا خصوصاً، الذين تطرق أذهانهم أسئلة يتمنّون لو يجدون لها الأجوبة التي تهدّئ نفوسهم وتشفي صدورهم، أبرزها: ما هي القضية الكبرى التي استدعت من "الأسير" افتعال هذه المعركة التي سقط فيها شهداء من الجيش، وأريقت الدماء، وتسببت بحرق البيوت وخرابها؟
نعم، ما هي القضية التي من أجل بقي اللبنانيون أكثر من أربع وعشرين ساعة محبوسي الأنفاس وأمام الشاشات، أو عالقين في المتاجر وعلى الطرقات؟
هل قاتل من أجل إخلاء الشقتيْن في عبرا، أو من أجل سحب سلاح المقاومة، أو من أجل حاجز للجيش اللبناني طلب الأوراق الثبوتية من أحد مرافقيه، أو من أجل دبّ الذعر في النفوس والتأكيد على أنه حاضر بقوة، وبإمكانه إحداث "بلبلة" في أي وقت أراد، أو من أجل إثبات أن "أهل السُّنة ليسوا مكسر عصا"، كما كان يردد في خطاباته؟
مهما كانت ذرائعه لرفع البندقية في وجه الجيش اللبناني، فإنها مرفوضة، خصوصاً أن المؤسسة العسكرية هي التي يجتمع فيها وحولها اللبنانيون بكل أطيافهم وانتماءاتهم، بدليل أنه لم يستجب أحد لدعوته الانشقاق عن الجيش.
لقد تسبب الأسير بزيادة الحزن والأسى والأذى في نفوس اللبنانيين، الذين يعانون أصلاً من الركود وتراجع الاقتصاد، وتزايد الانقسام السياسي الحاد، على أثر الأحداث الدامية في سورية، فهو حاول جرّ الفوضى إلى لبنان، بدل العمل على تهدئة النفوس ووحدة الكلمة وتقريب وجهات النظر، أو على الأقل الانتظار مع المنتظرين إلى ما ستؤول إليه الأمور.
من الذي سيضمّد للبنانيين جرحهم النازف؟ ستبقى صورته في أذهان عائلات الشهداء أنه كان سبباً في مقتل ابنها أو أبيها أو أخيها.. العائلات المتضررة ستذكر أيضاً أنه تسبّب في دمار بيتها، وتشتُّت أفرادها، وبقائها ساعات متوترة أعصابها.
ثم هل من المعقول تخزين تلك الأسلحة في بيت من بيوت الله، من أجل قتال أبناء الوطن وترويع الناس؟
ألم يكن من الأجدى أن يسعى لتوحيد البندقية مع المقاومة من أجل محاربة العدو المشترك "إسرائيل"؟
أحداث عبرا يجب أن تكون عبرة لكل اللبنانيين لعدم الاندفاع وراء الغرائز الطائفية أو المذهبية، ومحاسبة بعض السياسيين الذين سكتوا عن أفعاله منذ البداية، بل منحوه الغطاء للتمادي في تحركاته واستفزازاته للآخرين حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
أحداث عبرا يجب أن تكون حافزاً للتكاتف والتعاون، فهي حادثة أليمة تدعونا لسؤال أهل صيدا الذين تأذّت بيوتهم إن كانوا بحاجة إلى مساعدة مادية أو معنوية.. حيث كان الله في عون دولتنا.
أحداث عبرايجب أن تكون درساً بليغاً لكل من تحدّثه نفسه في أن يكون "أسيراً" آخر للفتنة؛ بأن اللبنانيين متفقون على رفض الفتنة والمحرّضين عليها، وجميعهم ملتفون حول جيش الوطن، قائلين له: الأمر لك.. فأنت الضمانة.