وأخيراً أنجز النائب نديم الجميل ما عجز زملاؤه عن إنجازه في يوم التمديد لأنفسهم، فقابل «النسوية» بالسلاح، والشعارات المدنية بالدهس. لم يرقه أن تفسد مجموعة ناشطات عشاءه الرومنسي، أراد معاركتهن بعضلات مرافقيه
بات للنائب نديم الجميّل ما يتكلم عنه وما يخبره الآخرون عن إنجازاته. في أربع وعشرين ساعة ملأ صفحته الخاوية بإنجاز بطولي، لا في مجلس النواب بل أمام مقر جمعية «نسوية» في مار مخايل. لم يرق الجميل أن تعبث بضع نساء بأمسيته في «بار تارتين» وتستبدل موسيقاه الرومنسية بشعارات تمسّ نيابته الممدد لها، فقرر مبارزتهن بأسلحة مرافقيه وعضلاتهم المفتولة.
أراد الجميل تالياً أن «يتغدى» الناشطات قبل أن يأكلن عشاءه، فغرّد على صفحته على تويتر عن التعرض لموكبه وإصابة أحد مرافقيه، ليتبيّن لاحقاً، ومن خلال الأشرطة المسجلة، أن مرافقيه هم من تعرضوا لحفلة «نسوية» واعتدوا على الناشطين فيها. أكمل الجميل مشهده البوليسي، فأعقب تغريدته بتصريح تلفزيوني يسرد فيه وقائع المؤامرة التي تحاكي توقعاته بتجدد موجة الاغتيالات. برأيه، «سيناريو» اغتياله كان واضحاً، وقد نجا بقدرة قادر، وتمكن مرافقوه من إحباط تلك المحاولة عبر «التصرف بمهنية»! وخطة الحركة النسوية قضت بإلهاء مرافقيه وإبعادهم عنه ليبقى أعزل من دون حماية، إلا أن «النسوة» لم يتمكنّ منه. سريعاً طمأنت والدته صولانج الجميّل جمهوره: «نديم بخير»، لتكرّ بعدها سبحة الاستنكارات للتعدّي على النائب البطل.
رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل رأى في استهداف ابن أخيه «حادثاً مؤسفاً ينمّ عن الفلتان السائد في البلد». والفلتان هنا لا يعني نديم، بل جمعية «نسوية»، لذلك يجب «اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع تكرار هكذا أحداث» وكمّ أفواه المجتمع المدني ومصادرة كاميراتهم حتى لا يظهر موكب سيارات نديم في إحدى الصور بالصدفة. فربما تسربت تلك الصور الى عدوّه اللدود حزب الله الذي بات يرتعب من خطابات الجميل وتحذيراته. تابع الرئيس الجميل بيانه: «هذه القضية ستكون مدار بحث في الاجتماع المقبل للمكتب السياسي (نظراً إلى عدم وجود قضايا أخرى) على ضوء الإجراءات القضائية التي ستتخذ بحق المرتكبين». يريد الجميل لفتيات «نسوية» اللواتي عمد مرافقو نديم بشير الجميل الى الانقضاض عليهن بالضرب ودهسهن أمام مخفر الجميزة وعلى مرأى من عناصر الأمن أن يلقين عقابهن. فليتّعظ من يعنيه الأمر، لا يمكن المسّ بأمن «الشيخ» الثالث (وفقاً للتراتبية الحزبية).
لاحقاً استهجنت القوات اللبنانية «بأشدّ العبارات» التهجّم على الجميّل، خصوصاً أن «الفاعلين يطالبون بممارسة الديموقراطية التي لها معاييرها وتعابيرها». ودعت القوات التي تقدّس «حرية الرأي والتعبير» الى «ممارسة الحرية تحت سقف القوانين المرعية حمايةً للبنان التاريخ والمستقبل والرسالة». والقوانين هنا، في عرف رئيس القوات اللبنانية، تسمح بشهر السلاح بوجه المواطنين العزل المعروفين بتحركاتهم السلمية وحضّهم على الغناء والرقص في شارع من شوارع «أشرفية البداية». أما جائزة الصرخة الأكبر في وجه «المجتمع المدني» فنالتها الاعلامية مي شدياق عن جدارة. سريعاً نسيت الأخيرة دفاعها عن المجتمع المدني وتأييدها لمعظم تحركاته وعادت إلى يمينيتها، شاتمة اليسار ومن يؤيّده. وكان لا بدّ أن تتطرق في إطار شتمها إلى حزب الله طبعاً: «التعرضّ لكرامات نوابنا ممنوع! خلصنا مسخرة! ما بقى في إلا الجميّزة ومار مخايل ليقدّوا مراجل! شو رأيهم يطلعوا يفرعنوا بالرويسات أو بالضاحية». الكلمات السابقة كتبتها شدياق وسط تساؤلها عن معنى «نساء أو نسوية». ما يزعجها حقاً هو مبادرتهن الى رشق أحد نواب 14 آذار بالبندورة، وذلك عمل «فولغير» لا يمت الى رقي شدياق بصلة: «شو معنى ثورة البندورة؟ لو تظاهروا بترتيب عراسي وعيني، بس كبّ البندورة على السيارات دليل رقي!». قلبها الضعيف لا يحتمل خرق الفتيات لمبادئ الـ«savoir vivre» ولا يحتمل أيضاً حجب البندورة عن النازحين السوريين ورميها على الجميّل. إنه «الطابور الخامس» وفقاً للإعلامية، لأن المستهدف من قوى 14 آذار فقط.
يريد نديم الجميّل أن يعيش حياته كما بقية الشبان. يريد التمتع بليالي الجميزة الصاخبة. تناول العشاء بهدوء ونشر مرافقيه وسياراته على طول الطريق كما يعشق. فالأخير يطوّق نفسه في كل المناسبات والحفلات الخاصة بظل المرافقين ويبقيهم مستنفرين وراء كرسيه، رغم حضور تلك المناسبات عشرات النواب والمسؤولين من دون حماية. يريد أن يسهر ويرقص كما باقي المواطنين، ولكنه يريد للمواطنين أن يتحملوا مسؤولية أمنه الشخصي. لم يكن يتوقع هؤلاء المواطنون، بمن فيهم مؤيدوه، أن يسقط وريث بشير الجميّل في معركة «نسوية» الـ«سلمية».