سقوط نظام "الإخوان المسلمين" في مصر برئاسة محمد مرسي، وما تشهده تركيا من حركة إحتجاج قد تطيح حكومة رجب طيّب أردوغان "الإخوانية"، إلى ما يجري في تونس وليبيا، والتغيير في سدّة السلطة القطرية الداعمة الكبرى لـ"الإخوان" في كلّ مكان، يوحي بأنّ الأنظمة "الإخوانية" بدأت تتهاوى، بدءاً من مصر، لفشل تجاربها في تركيا التي بدأت بسياسة صفر مشكلات وانتهت ألى كمّ هائل منها، وكذلك في مصر وتونس، وستتهاوى معها كلّ جماعات "الإخوان" الطامحة إلى تولّي السلطة في هذه الدولة أو تلك.
ولم يكن لهذه الأنظمة "الإخوانية" أن تصل إلى السلطة لولا دعم الولايات المتحدة الاميركية التي تعايشت معها مراهنةً عليها أن تقدّم "نموذجاً إسلاميّاً معتدلا" يمكن ان يصلح لحكم هذه الدولة أو تلك من دون الإضرار بالمصالح الاميركية. ولكن بعد التجربة تبيّن للشعوب، قبل واشنطن، أنّ هذه الأنظمة شيء وممارساتها للسلطة شيء آخر، ما دفع هذه الشعوب الى الثورة ضدها، فيما انبرت واشنطن، في ما يبدو، الى إعادة نظر في علاقاتها أو تعاطيها مع أنظمة هذا النوع من الاسلام السياسي.
فنظام "الاخوان" في مصر استأثر بكلّ مفاصل السلطة المصرية مستبعداً بقيّة القوى السياسية التي شاركت في ثورة 25 يناير وأسقطت نظام الرئيس حسني مبارك، وأكثر من ذلك فشل هذا النظام "الإخواني" في تلبية تطلّعات المصريين بمختلف شرائحهم، وكذلك في معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية قبل السياسية التي يرزح تحتها الشعب المصري، ما دفع كلّ القوى المصرية المعارضة ومعها الملايين من المصريين للنزول إلى الشارع ليسقطوا مرسي و"إخوانه"، على وقع مطالبة اميركية بتلبية مطالب المصريين، في موقف أوحى أنّ واشنطن نفضت يدها من حكم "الإخوان"، وأفاد معارضيه في تحرّكهم لإسقاطه بغية إقامة نظام متوازن تشارك فيه جميع القوى المصرية. على أنّ ما جرى في قطر من تغيير في رأس هرم السلطة بتولّي الشيخ تميم بن حمد رئاسة الدولة خلفاً لوالده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي خرج من منصبه ومعه رئيس وزرائه ووزير خارجيته الشيخ حمد بن جاسم، فإلى الدواعي الصحّية لـ"الأمير الوالد" التي سيقت في هذا الاتجاه، يردّه مطّلعون الى ما يسمّونه "خيبة أمل" اميركية من عدم نجاح "الشيخ حمد ورئيس وزرائه في مهمة تعهّدا تنفيذها في مصر وتونس وليبيا وسوريا بالتعاون مع رئيس وزراء تركيا رجب طيّب اردوغان، لإقامة أنظمة إخوانية تستنسخ "النموذج الإخواني التركي المعتدل"، ففشلَ هذا النموذج في مصر، وسيفشل في تونس قريباً، فيما هو فاشل حتماً في ليبيا. أمّا في سوريا ففشل القطري والتركي في إسقاط نظام الرئيس بشار الاسد لمصلحة نظام يقيمه "الإخوان المسلمون" السوريّون، بل على العكس طالت حربهما على النظام وتحوّلت معها سوريا مجمّعاً كبيرا لكل انواع الحركات الاصولية المتطرّفة التي تعاظمَ دورها على حساب دور المعارضة بغالبيتها الإخوانية، وباتت لهذه الجموعات الكلمة الاولى، خصوصاً في الميدان، ما جعلها تخرج عن سيطرة مَن جاء بها وداعميها الى درجة باتت تهدّد المشاريع الرامية الى إقامة دولة "الاخوان" السورية، وكذلك تهدّد مصالح الداعمين أنفسهم في سوريا وخارجها. ويرى مراقبون أنّ ما يواجهه أردوغان في تركيا، ليس مردّه فقط الى معارضة الأحزاب التركية لتدخل حكومته في الأزمة السورية فقط، وإنما يرتبط ايضاً بتغيير الموقف الأميركي من "الحكم الإخواني" في المشرق والمغرب العربيّين عموماً وفي تركيا. ولذلك فإنّ كلّ الدلائل تشير الى أنّ أردوغان بدأ يواجه أزمة داخلية فعلية تهدّد بسقوط حكومته "الإخوانية"، أو على الأقل تقوّض دورها خارج الأراضي التركية، خصوصاً في سوريا، ما سينعكس سلباً على واقع المعارضة المسلّحة في الميدان السوري، وقد بدأ يظهر ذلك في تقهقرها أمام قوات النظام التي بدأت تستعيد السيطرة على هذه المنطقة السورية أو تلك.
أمّا لبنان الذي كادت تتفجر فتنة فيه تلاقي ما ستنتهي إليه الأزمة السورية وتداعياتها، فيبدو أنه سيظلّ عرضة لتداعيات هذه الأزمة وللمتغيّرات الجديدة التي بدأت تشهدها المنطقة مجدداً، والتي توحي بأنّ حكم "الإخوان" قد فشل أو يكاد.
وثمّة من قال إنّ معركة صيدا التي تمكّن خلالها الجيش اللبناني من إنهاء حالة الشيخ أحمد الأسير، لا تنفصل عن التطوّرات الجديدة في المنطقة، ما مكّنه من استعادة زمام المبادرة ودفع حالات مماثلة في مناطق لبنانية أخرى الى مراجعة حساباتها وتجنّب أي صدام مع المؤسّسة العسكرية في وقت صدرت مواقف اميركية وغربية تؤيّدها وتؤكد الاستعداد لدعم الجيش في مواجهة المجموعات الأصولية وغيرها.
في أي حال، فإنّ سقوط نظام "الإخوان" المصري ستكون له انعكاساته وتداعياته على الوضع في المنطقة برمّتها، وأولى هذه التداعيات سيكون تبلور حلّ سياسي للأزمة السورية وهذا ما يعكسه الحراك النشط الروسي ـ الأميركي على خط مؤتمر "جنيف – 2" والذي كان اللقاء الأخير بين الوزيرين سيرغي لافروف وجون كيري أحد محطاته.