اللافت في الايام الاخيرة ان "تيار المستقبل"، وماكينته السياسية والاعلامية لم يعودا يوفران رئيس مجلس النواب نبيه بري ويضعانه في كثير من الاحيان في خانة "حزب الله"، ويحمّلانه مسؤولية تغطية الحزب في المعارك الاخيرة التي شهدتها عبرا وصيدا ومحيطها، والتي كان نجمها الشيخ أحمد الأسير.
وفي ذروة المواجهات الاخيرة بقي الرئيسان سعد الحريري وفؤاد السنيورة على تواصل مع عين التينة، الى درجة ان الثاني اتصل ببري، وأبلغه مضمون بيان له قبل أن يوزعه، ويتناول الجيش ودعمه، في وقت أجرت نائبة صيدا بهية الحريري غير اتصال مع مختلف الاطراف، لكنها استثنت بري، في اشارة الى استمرار الجمود الحاصل بينهما.
وجاء تعطيل الجلسة النيابية العامة من جانب نواب كتلة "المستقبل" وقوى 14 آذار رداً على ما جرى في صيدا، ولا سيما ان هؤلاء يرددون كلاماً قاسياً في مجالسهم في حق بري، ويتهمونه بتوفير الغطاء السياسي والحاضن لـ"حزب الله" و"الساكت"، على ما يرتكبه عناصره في صيدا ومشاركته العسكرية في سوريا الى جانب النظام ونصرة الرئيس بشار الاسد.
ويرد بري على منتقديه وعلاقته بالحزب قائلاً، ان الاتهامات التي توجه الى الحزب ليست في محلها، وان المتهمين يغطون ما وقعوا فيه من اخطاء في عاصمة الجنوب، وان "الحزب" لا يحتاج الى تغطية "لأن عباءته واسعة وهي منسوجة من خيوط قطن وطنية لبنانية عالية الجودة وعربية بامتياز، هو حزب مقاوم لا يحتاج الى دعم مني".
ويدعو بري الذين يطبلون ليل نهار ضد الحزب الى "الكف عن هذه السياسة الضيقة".
ويرجع في الحديث امام زواره الى الوراء، وتحديداً الى أكثر من عامين، وكيف انه كان يمنع جمهوره وانصاره في الجنوب، وخصوصاً في صيدا، عن الرد على الشيخ أحمد الأسير وخروجه عن قواعد الاداب والخطاب السياسي "لم نسمع تلك الاصوات، التي لم تستنكر تهجمه عليّ وعلى السيد حسن نصرالله وما أقدمنا عليه ومارسناه على الارض ليس خوفاً منه بل منعاً للفتنة، وسنستمر على هذه الطريق".
ما فعله بري من تهدئة الشارع في حارة صيدا ابان تطور المواجهات الاخيرة في عبرا، يمارسه يومياً عند وقوع كل حادث، ومن هذه الوقائع استقبل قبل يومين وفداً من آل المقداد، ووجه اليهم تحذيراً شديد اللهجة في حال الاقدام على أخذ الثأر من عائلة غادر في شبعا، لأن أحد شبان الاخيرة قتل في الضاحية الجنوبية بدم بارد جاراً له من آل المقداد، وجرح آخر، ولا يزال الجاني فاراً من العدالة والقضاء.
وكلما وقع حادث في منطقة متداخلة بين جمهوري "تيار المستقبل" من جهة و"حزب الله" وحركة "أمل" من جهة أخرى يستنفر بري كوادر تنظيمه على الارض منعاً لتمدد شرارة الخلافات مع تشديده على اعطاء الضوء الاخضر للجيش بغية القيام بكل ما يراه مناسباً.
وعلى رغم كل ما يقوم به من معالجات يومية ومتابعته تحرير مخطوفين في البقاع يستمر التشكيك في نيات بري، بدءاً من الجلسة العامة واسلوبه في ادارة البرلمان، الى اتهامه باحتضان "حزب الله".
يحصل كل هذا، في وقت لم تنقطع خطوط الاتصال بين بري والحريري، ويشكل هذا الامر مبعث ارتياح لدى صديقهما المشترك رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط. وعندما اطلع بري على بيان الاجتماع الاخير لكتلة "المستقبل" فهم منه واستنتج وضع نوابها معادلة الحكومة وتأليفها مقابل عمل مجلس النواب وتعطيله.
ولا تقتصر "اثار" عدم انعقاد الجلسة العامة على البون الشاسع في النظرة ما بين بري و"تيار المستقبل"، بل انسحبت على رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، الذي وقف الى جانب "المستقبل" في منع توفير النصاب للجلسة العامة الاثنين الفائت، والخلاف على جدول اعمالها، لكن العلاقة بينهما لم تعد الى سابق عهدها، وما يقوله رئيس المجلس امام زواره ان "تيار المستقبل" يستخدم ميقاتي في معاركه، رغم اعتراضهم عليه وعدم القبول به على رأس الحكومة ويذكّر كيف أقدموا على محاربته أشهراً عدة، الى درجة انهم رفضوا حتى المشاركة في اللجان النيابية التي قاطعوها، "ثم عادوا وقبلوا في ما بعد".
وتبقى المفاجأة لدى بري، هي كيف ان ميقاتي كان يشكل العدو عند هذا الفريق، و"اليوم أصبح وسيلة والمشكلة ان البعض يقدم منذ الآن اوراق اعتماد مبكرة، لكنها لن تنفعه في النهاية".