الباحثة الألمانية سابين شميدكة (ولدت عام 1964) هي أستاذ الدراسات الإسلامية ومديرة وحدة البحوث في التاريخ الفكري للعالم الإسلامي في جامعة برلين الحرة. لديها درجة البكالوريوس (بامتياز مع مرتبة الشرف) من الجامعة العبرية في القدس (1986)، وشهادة الماجستير من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن (1987)، والدكتوراه من جامعة أكسفورد (1990). هي تلميذة المستشرق الألماني الشهير ويلفريد مادلونغ، الذي تخصص في الدراسات الإسلامية وبخاصة المعتزلة والزيدية والإمامية. هي رئيسة تحرير المقالات اللاهوتية والفلسفية في موسوعة الإسلامEncyclopedia of Islam (طبعة ليدن)، ومديرة مشاركة لتاريخ الفلسفة في الموسوعة نفسها.
نشرت شميدكة نحو 34 كتاباً و84 بحثاً والكثير من الكتب والدراسات والمخطوطات المتعلقة بالجدل اللاهوتي الإسلامي - اليهودي، وكتبت كتاباً عن الفيلسوف اليهودي من بغداد، إبن كمونة(683ه)، ودراسة عن تأثير المعتزلة على اللاهوت اليهودي.
المعتزلة أثرت في صميم الحياة الدينية والفكرية اليهودية
الباحثة شميدكة، التي عملت مطوّلا على دراسات حول فكر المعتزلة ونصوصهم، تشرح، في حديث لـ"النشرة" أنّ النتيجة الأهم لعملها لعملي كانت – على ما تعتقد – أنه باتت نصوص أوّليّة كثيرة لحركة المعتزلة في متناوَل الباحثين عمّا كان مِن قبل، وتشير إلى أنها حررت وحققت، مع عدد من الزملاء، مؤلَّف "كتاب الأصول لابن خلّاد" الذي ظلّ محفوظًا في طيّات تعليق مستفيض لأحد العلماء الزيديّينَ المتأخِّرينَ، كما حرّرت الأجزاءَ الموجودة (المتداوَلة) لكتاب "تصفّح الأدلّة" لأبي الحسين البصريّ، وتعليقًا على "كتاب التذكِرة في الجواهر والأعراض" لابن متويه تلميذ عبد الجبار. وكتبت دراسات عديدة لحركة المعتزلة وأبرزِ شخصياتها، إلى جانب التحقيقات التي ذكرتها لنصوصهم؛ كما تمّ استحداث جردات تحوي مصادر لمخطوطات المعتزلة. ولقد نظمت مؤتمرات عدّة حول المعتزلة، على مدى العام المنصرم، وأسّست "فريق عمل مخطوطات المعتزلة". ورأت النتيجة الأكثر إرضاءً، من بين ما قانت به، أنه ازدادَ عدد العلماء الناشئين الذين يدرسون حركة المعتزلة؛ وهو ما يبيِّنه عددُ الأطروحات المقدَّمة في هذا المجال لنيل شهادة الدكتوراه، بحيث باتت حركة المعتزلة على خارطة البحث العلميّ بفعل جهودها الرامية لذلك.
وتعتبر أنّ نظرة علماء الدين اليهود للفكر العقيدي للمعتزلة، هي وجه مذهل في تاريخ حركة المعتزلة، "فبخلاف المسيحية؛ أظهرت اليهودية تقبّلًا للأفكار العقيدية الإسلامية الأساسية (مثل الوُجهة الإسلامية – التوحيد - للاعتقاد بوجود الله)، ولقد تبنّى الكتّاب "الربانيون" و"القـرّاؤون" الوُجهة المعتزليّة، بالتحديد، بدرجات متفاوتة منذ القرن التاسع الميلاديّ؛ حتّى ظهرت "المعتزلة اليهودية" مع القرن الحادي عشر، ولقد وضع العلماء اليهود مؤلفاتٍ لهم مضافةً إلى ما ورد إليهم من كتابات المعتزلة، كما أصدروا نُسَخًا مِن كُتب المعتزلة المسلمِين، منقولةً إلى العِبرية". وتلفت إلى أنّ المعتزلة أثرت في صميم الحياة الدينية والفكرية اليهودية في الشرق؛ فقد تبنّى القـرّاؤون وعددٌ من رؤساء الأكاديميات الربانية القديمة (الـ"يشيفوت") - في بغداد في القرن العاشر الميلادي – نظرة المعتزلة للعالَم، وعلى عكس شأن المعتزلة؛ فإنَّ الأعمال الأشعريّة والكتّاب الأشعريّين لَقِيَا اهتمامًا قليلًا جدًّا مِن قِبَلِ العلماء اليهود، حتّى أنَّ الاهتمامَ القليل هذا كان على نحو النقد (التصحيحيّ) غالبًا.
وتقول: "إنه مذهلٌ كم من أجزاء من النصوص المعتزلية الإسلامية تُـرصد في المجموعات المتنوعة للجنيزا (وهو كنيس في القاهرة من أهم المصادر لمعرفة تاريخ اليهودية) حول العالَم. والأهمّ من بينها، في هذا المجال، المكتشَفات الشاملة لموادّ مخطوطيّة ضمن "مجموعة أبراهام فيركوفيتش" في المكتبة الوطنية الروسية في سان بطرسبرغ؛ التي يُبحث إلّا في القليل منها حتّى الآن، فنسخة "تصفّح الأدلّة" لأبي الحسين البصري مثلًا – التي ذكرتُها مِن قَبلُ في هذه المقابلة –مستحـدَثة حصرًا مِن أجزاء وُجدت في "مجموعة أبراهام فيركوفيتش" (في حين أنَّ المؤلَّف هذا مفقودٌ كليًّا في العالَم الإسلاميّ)".
لم نكن لنعلمَ شيئًا مما هو بين أيدينا اليوم عن المعتزلة لولا تقبّل الزيدية للمعتزليّة
وتؤكد الباحثة المستشرقة أنّ احتضان الشيعة لفكر المعتزلة ظاهرة معروفة جيداً وهو السبب لكي تستمر الحركة بعد ما توقفت عن الوجود في الإسلام السني الى ما بعد القرن الرابع ميلادي، كما أن تأثيره استمر كبيراً في الدوائر السنية، وتضيف: "في حين قَبِلَ علماء الزيدية بجميع معتقدات المعتزلة، ويمكن اعتبارُهم ممثلين لفكر المعتزلة (فإنَّ مِن الزيديّين مَن تتلمذ على يد أبي عبد الله البصري وقاضي القضاة عبد الجبّار الهمذانيّ في القرن الحادي عشر)؛ رَسَمَ علماء الشيعة الإثنا عشرية (الإمامية) حدودًا واضحة بين الإمامية والمعتزليّة. وبفعل عقيدة "الإمامة" الخاصّة بالشيعة الإثني عشرية، وما تقتضيه من "الإيمان" الذي يرفض المحدَثات من المؤلَّفات الخارجة عن الطريقة الإمامية الراسخة؛ رفض علماء الشيعة الإثني عشرية باستمرار عقائدَ المعتزلة الخاصة بـ"الوعد والوعيد"، ومعها فكرة "المنزلة المتوسّطة" ("المنزلة بين المنزلتَين") للفاسق بين الإيمان والكفر".
وردا على سؤال، توافق على أنّ الزيديّة هم الذين حافظوا على مؤلفات المعتزلة، وتشرح ذلك قائلة: "لم نكن لنعلمَ شيئًا مما هو بين أيدينا اليوم عن المعتزلة، لولا تقبّل الزيدية للمعتزليّة، والنسخ المنظَّم– الذي تمّ بعد التوحيد السياسيّ للمجتمعَين الزيديَّين في شمال إيران واليمن منذ القرن الـ12- للكتابات المعتزليّة لصالح مكتبة الإمام المنصور بالله في ظفار (ومن هناك تمّ نقل هذه المقتنيات المخطوطيّة إلى مكتبة المتوَكِّلية في صنعاء، خلال عشرينيّات القرن العشرين) وجميع مكتبات اليمن الصغيرة (العامّة منها والخاصّة)، وينبغي أن نعيَ أنَّ الزيديِّينَ في ذلك الوقت كانوا ميّالِينَ إلى كتابات الفرع البهشميّ للحركة المعتزليّة؛ فليس لدينا إذن كتاباتٌ لفروع منافسة للبهشميّة، كالإخشيدية أو مدرسة بغداد. وبالنسبة إلى أفكار أبي الحسين البصريّ العقيدية؛ فإنه لدينا، في مكتبات اليمن، كتاباتٌ لِمُتَّبِعِهِ اللاحِق محمود ابن محمد الملاحميّ الخوارزميّ، في حين لم تصلِ اليمنَ كتاباتٌ دينية للبصريّ وإن كان مؤلَّفاً آخر له وهو "المعتمَد في أصول الفِقه"، واسع الشهرة في اليمن، بحسب ما يتبيَّن من خلال النسخ المخطوطة الكثيرة ذات الإسنادات إلى هذا المؤلَّف".
فريقنا يضمّ باحثين من مختلف أنحاء العالم ومن مختلف الديانات
من جهة ثانية، تشير إلى أنّ أعضاء وحدة البحوث مقتنعون بأنَّ البحث الأكاديمي يمتلك القوة لبرهنة أنَّ الأفكار والحركات الفكرية تتخطّى جميع الحدود، في عالم تزداد فيه الحدود الثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية أهميةً. وترى أن ذلك ينطبق على الحركات الفكرية السائدة في الشرق الأوسط (مهد الديانات السماوية التوحيدية الثلاث) حيث أشدّ النزاعات الدائرة في العالم اليوم، وحيث تتالت أنماط الثقافة البشرية البارزة على مدى يفوق الألفَي سنة. وتضيف: "إذا كنا نرجو تأسيس علاقات متينة بين ثقافات وديانات وكيانات سياسية رئيسة، فإنه ينبغي أن نتعرف على الموروث الثقافي الخاصّ بنا، وذلك الخاصّ بالآخرين، وأن نتعرف على أوجه تشابههما. فإن هذه المعرفة ستؤسّس للاحترام المتبادَل، وستجنّب انتشارَ المفاهيم الآيديولوجية المشوَّشة عن الآخرين، وإنَّ العقل البحثيّ المنفتح، والجهوزية لتوسيع دائرة التحقيق العِلميّ، والإرادة لمشاركة النتائج البحثية مع جمهور أوسع؛ تساهِم بفاعليّة في تشكيل رأي عامّ أقلَّ انحيازا وأكثـرَ تهذيبًا".
وبعيدًا عن الاتجاه الأكاديمي الاعتيادي الذي غالبًا ما يركّز على الكتّاب المسلمين أو المسيحيين أو اليهود، وعلى كتاباتهم؛ تشدّد الباحثة على أنّ وحدة البحوث لدينا فريدة في "اعتمادها الثلاثيّ الأبعاد" للتاريخ الفكريّ لمنطقة الشرق الأوسط. فهي تسعى جاهدةً للمساهمة في تهيئة أجواء مسالمة بين المسلمين وغير المسلمين، على صعيد العالم الإسلامي والعالم بأسره. وتؤكد التزامها بالقيام بأبحاث فريدة حول مناحٍ متنوِّعة ضمن التاريخ الفكريّ للعالم الإسلاميّ، خاصة فترة العصور الوسطى، وفترة ما قبل الحداثة، والفترات المبكرة للحداثة؛ وتلفت إلى أنّ نتائج أبحاثنا ليست للأكاديميين فحسب، بل هي معروضة لجميع المهتمّين في الشرق وفي الغرب. وتشير إلى أنَّ وحدة البحوث لدينا تدرس، وتعكس للمطّلعين، أوجهَ التكافل بين الفكر الإسلامي والفكر المسيحيّ والفكر اليهودي.
وردا على سؤال، تقول: "فريقنا يضمّ باحثين من مختلف أنحاء العالم ومن مختلف الديانات؛ حتّى أنَّ عدد الباحثين غير المسلمين لدينا يساوي عدد الباحثين المسلمين، فمنهم من ينتمون إلى الغرب، ومنهم من ينتمي إلى الشرق الأوسط، وفي حين نحن جميعًا مطّلعون كباحثينَ على عدد من الاتجاهات ضمن الدراسات الإسلامية، فإنَّ بعضنا متخصّص في الأدب المسيحيّ، والأدب اليهوديّ العربيّ، مع اطّلاع جيّد على لغات ذات صلة؛ كالسريانية والآرامية والقبطية والجودائية-العربيّة والعِبريّة والفارسية". وتكشف أنّ وحدة البحوث تأسست في العامِ 2011؛ ويتمّ تمويلُها مِن قِبل طرف ثالث حصرًا. لكن النشاطات المتنوِّعة وبعض المشاريع التي يُعمل عليها ضمن "وحدة البحوث"، قد شُرِعَ بها منذ العامِ 2003. وتركّز وحدة البحوث حاليًّا على دراسات (مشاريع) في مجال علم الكلام والفلسفة. وتقول: "في علم الكلام؛ نحن معنيّون بدراسة الموروث الأدبيّ الغنيّ – وغير المكتشَف على نحو كبير- للمعتزلة. وفي الأعوام المنصرمة؛ تمكّـنّا من تعريف الكثير من المخطوطات، ومِن جعلِها في متناول اليد، من خلال التحرير الدقيق والدراسات المتعمّقة. كذلك نركّز في مجال علم الكلام على الموروث الأشعريّ. فقبل سنوات قليلة؛ تمكّنتُ من رصد مجلَّدَينِ لأكثر المؤلفات الدينية شموليةً لأبي بكر الباقلانيّ، وهو مؤلَّف "كتاب هداية المسترشِدين"، في سان بطرسبرغ وفي طشقند. ونحن على وشك إتمام تحقيق دقيق لنصّ جميع المجلّدات الأربعة المتبقية لهذا المؤلَّف (والمجلَّدان الآخران موجودان في القاهرة وفاس). إلى ذلك؛ يُعِدُّ أحدُ أفراد طاقمنا حاليًّا دراسة منهجية للباقلانيّ وآرائه العقيدية. واثنان منّا معنيّان بتناول "كلام الأشعريّة" لعلماء دينيّين أقباط عاشوا في القرنَين الـ13 والـ14 الميلاديَّينِ. وقد أشرفنا كذلك على إنجاز موسوعة أوكسفورد في مجلّد کبير عن العقيدة الإسلامية، الذي أحرّره أنا حاليًّا لمصلحة "Oxford University Press"".
رؤيتي هي تحويل "وحدة البحوث" إلى معهدٍ للبحوث
وعن المشاريع الحالية في مجال الفلسفة، تشير إلى أنها معنية، بالدرجة الأولى، بدراسة فترة ما بعد ابن سينا، كما تقوم الوحدة بدراسات متنوِّعة حول أبي البركات البغدادي وابن كمّونة ودافيد بن جاشوا بن ميمون، لتسليط الضوء على التداخل الكامن بين الفلسفة اليهودية والفلسفة الإسلامية في الفترة ما بين القرن الـ13 والقرن الـ15 الميلاديَّينِ. كما تقوم أيضا بدراسة الجيل الأوّل من المعلِّقينَ على شهاب الدين السُّهرَوَردِيّ، بمعزل عن ابن كمّونة وشمس الدين السهرُورديّ وقطب الدين الشيرازيّ، في حين بعض الباحثين معنيّون بالدراسة المنهجية للنهضة اليونانية - العربية في الفترة الصفوية (1502م-1736م) في إيران (وخارجها). وتلفت إلى أنها شرعت في الفترة الأخيرة في التعاون الوطيد مع معهد "ماكس بلانك لتاريخ العلوم" المتمركز في برلين، بهدف دمج تاريخ العلوم في نشاطاتنا البحثية.
وإذ تكشف أنهم بدأوا في الفترة الأخيرة كذلك بدراسة مجال: "الإنجيل باللغة العربية، بين اليهود والمسيحيّين والمسلمين"؛ باعتبار أنهم – من جهة - مهتمّون بدراسة مؤسّسات وتقاليد الترجمة بين اليهود والمسيحيّين والسامِريّين. ومن جهة أخرى، يحققون في نظرةِ المؤلِّفِينَ المسلمينَ، وأنماطِ فهمهم للإنجيل، تلفت إلى أنّ أعضاء الفريق ينشرون نتائج أبحاثنا بشكل منتظم، باللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والعربية والفارسية، على الإنترنت؛ وفي مجلّات متداوَلة بين الأكاديميّين عبر الشبكة وفي "سلسلات كُتُبِيَّةٍ" مشهورة في الغرب وفي العالَم الإسلاميّ. كذلك؛ تنشر وَحدة البحوث لدينا رسائلَ إلكترونية شهرية، وتنظّم بشكلٍ منتظم حدثًا جماهيريًّا كلّ فترة لتنوير الرأي العامّ.
وعن مشاريعهم البحثية للسنوات المقبلة، تقول: ""وَحدة البحوث" مركزٌ فريد من نوعه، لا في ألمانيا وأوروبّا فحسبُ، بل في العالَم بأسره، وإنَّ الصدى الإيجابيَّ لنشاطاتنا على الصعيد المحلي والعالميّ، والبروزَ الهائل الذي حققناه على مدى السنين الماضية، يجعلان ضمانَ مستقبل "وحدة البحوث" أمرًا غاية في الأهمية. هذا يعتمد بشكل أوّليّ على مدى استطاعتنا جلبَ التمويل اللازم للمضي في عملنا". وتضيف: "إنَّ رؤيتي هي تحويل "وحدة البحوث" إلى معهدٍ للبحوث، ذي هيكليّة مالية وبشرية متينة، يكون نقطة محورية للعلماء من العالم الإسلاميّ والغرب، الذين سيعملون عندنا متعاضدِينَ لحفظ وتحليل الموروث الفكريّ للعالم الإسلاميّ. أريدهُ أن يكون معهدًا يتدرّب فيه جيل جديد من العلماء. وسيظل التركيز في أبحاثنا على الدراسات البحثية المتطورة الرائدة في مجالها. ونحن نعمل باستمرار على توسيع دائرة تخصّصية "وحدة البحوث"، من خلال استحداث مجالات جديدة كليًّا في التحقيق العلميّ. ولقد تمّ إنشاء مجلّة "التاريخ الفكريّ للعالم الإسلاميّ" المخصّصة للأكاديميّين، والتي ينشرها "Brill, Leiden". كلّ عدد من هذه المجلّة، حتّى الآن، يتطرّق غالبًا إلى مجالاتِ بحثٍ مهملةٍ ومهمَّشةٍ، بهدف وضعها على خارطة التداول والاطّلاع. وقد عُنِيَ الجزءُ الأول بموضوع "الإنجيل باللغة العربية بين اليهود والسيحيّينَ والمسلمينَ". وسيكون موضوع الأجزاء المقبلة: "نمط الفهم اليهوديّ والمسيحيّ للعقيدة الإسلامية"(2014)، و"آفاق جديدة في الدراسات اليونانية-العربية"(2015)، و"تواريخ الكُتُبِ في العالَم الإسلاميّ: حياتها، تقلّباتها، وموتها"(2016)".
العالِم الجدّيّ يرى أهمية قصوى للتعاون بين العلماء والمَعاهد
وحول وجود ضرورة لتحقيق ودراسة المخطوطات الاسلامية المهملة لمساعدة البحث التاريخيّ حيالَ المصادر النَّصّيّة للمناهج المتنوِّعة للفكر الإسلاميّ، تقول: "على مدى العقد المنصرم تقريبًا؛ شاهدنا توجّهًا منتظمًا في دراسات اللغة العربية والدراسات الإسلامية نحو "علم فقه اللغة"؛ حيث انتحى كثيرٌ من الباحثين الناشئين منحى دراسة المخطوطات، إما لكونها مَصَادِرَ لدراساتهم، وإما لتقديم تحرير وتحقيق دقيق للمصادر النَّصّيّة المهمَلة غالبًا حتّى يومنا هذا. وهذا التطور هو نتيجةٌ للثورة الرقمية، وللاهتمام المتزايد للمكتبات ومعاهد البحث العلميّ حول العالَم؛ بحفظ مقتنياتها من المخطوطات عن طريق الوسائل الرقمية (التكنولوجية) وجعلِها في متناوَل الجمهور الأكاديميّ (العلمائيّ) الأوسع. لا يستطيع العلماء أن يهملوا حقيقة أنّه ثمة مئات آلاف المخطوطات في العالَم - في جميع مجالات المعرفة تقريبًا - يحتوي كثير منها على موادَّ نصّيّة قد أهمِلت بالكامل حتّى الآن، أو لم يتمَّ الاعتناءُ بها كما ينبغي. نتيجةَ ذلك؛ ظهر وعيٌ متزايد لحقيقة أنّه ستكون مراجعاتٌ مهمّة في مجالات كثيرة، فورَ إحضار الموادّ المهمَلة (حاليًّا) لتحليلها. ويجب أن تكون المهمّة الأساسية للعلماء المعاصرينَ، في العالم الإسلاميّ وفي الغرب، العملَ على جعل هذه الموادّ المهمَلة في متناول الباحثينَ والعامّة؛ من خلال فَهَارِسَ موثوقةٍ للمخطوطاتِ، وكتاباتٍ علميّة، ودراساتٍ معمَّـقة... ومن الواضح أنَّ هذا سيستغرق عقودًا من الزمن. إلى ذلك؛ إنَّ توزّع المخطوطات المهمَلة على مناطق العالم كافّة، يصعِّب الحصول عليها. وبمعزل عن العقبات السياسية؛ تشكل الحدود الاقتصادية عائقًا كبيرًا، وينبغي تخطّيها بطريقة ما. لذا؛ ينبغي التعاون العلمائيّ المشتـرَك غيرُ المقيّد، على صعيد عالَميّ". وتضيف: "إنّي أثمّن الدعمَ الذي نحظى به مِن قِبل علماءَ ومعاهدَ من حول العالم. وإنَّ جميع مشاريعنا البحثية التي ذكرتُها في هذه المقابلة حتّى الآن، هي ذات مخطوطات مهمَلة وغير معروفة على صعيد البحث العلميّ. ونحن معنيّون ومندمجون في جميع خطوات تحويل المخطوطات المهمَلة إلى مخطوطات متداوَلة على صعيد البحث العلميّ عالميًّا".
وختاما، تشير إلى أنّ العالِم الجدّيّ يرى أهمية قصوى للتعاون بين العلماء والمَعاهد على مستـوًى عالَميّ. وبخلاف مجالات البحث الأخرى؛ ليس ثمة أنماط تقليدية علمائية وطنية في مجال الدراسات الإسلامية. وتقول: "ينبغي علينا إذن، أن نعيَ متى يكون بحثٌ جاريًا في مكان ما، يتماهى مع بحثنا في الموضوع والغاية التي نحن في صددها. وإنَّ المخطوطات الموجودة في أوروبا وروسيا وآسيا الوسطى وأميركا الشمالية تساوي بأهميتها تلك الموجودة في مراكز التعليم التقليدية في العالم الإسلاميّ في القاهرة ودمشق وإسطنبول وطهران، واليمن. وينبغي أن تُـتَاحَ نتائجُ أبحاثنا وأبحاثِ غيرِنا حول العالَم في منابـرَ مفتوحة للجميع، ليسهُل التطوّر في أبحاث المجالات ذات المخطوطات المهمَلة. نحن في "وحدة البحوث" نتعاون مع معاهدَ رائدة في طهران فنشاركَها في نشر "سلسلات كتبية"؛ وإنَّ أعضاء مِن بيننا ينشرون أبحاثُا باللغة العربية والفارسية، ويشاركون زملاء لهم في اليمن وتركيا وعُمان والمغرب وإيران، في أبحاثِهم. وبشكل منتظم؛ تستقبل "وحدة البحوث" في برلين علماء زوّار من لبنان وإيران والسعودية وفلسطين وتركيا. وننظّم مؤتَمرًا عالَميًّا سنويًّا يتمثّل فيه بشكل كبير علماءُ من العالم الإسلاميّ".
أجرى الحوار هيثم مزاحم