فيما كان لقاء «14 آذار» منعقداً في صيدا، وفيما كان الرئيس فؤاد السنيورة يتلو كلمته التي تجاوزت البيان الصادر عن اللقاء، كان نواب «حزب الله» يشنّون أعنف هجوم على تيار «المستقبل»، مركّزين عن قَصد على حشر دفاعهم عن المؤسسة العسكرية، في سياق الهجوم على التيار الذي يُمثّل أكثرية الطائفة السنّية.
ليس غريباً هذا التركيز، فما يُشتمّ من هذه التكتيكات ومنذ السابع من أيار، هدف مركزي، وهو وضع طائفة بأكملها في وجه المؤسسة العسكرية وقيادتها، بحيث يسهل في حال استتباب هذا التموضع، التلطي خلف هذه المؤسسة، ومحاولة التوظيف في اتجاه تعميق الشرخ إلى درجة عالية من التوتر، يسهل بعدها تمرير ما يجب تمريره.
هكذا يفهم «حزب الله» معادلة الجيش والشعب والمقاومة، هذا الفهم الذي يسعى إلى إحداث انقسام وطني حيال دور الجيش، وإلى توظيف هذا الانقسام على منوال ما حصل في صيدا، حيث تبيّن أنّ «حزب الله» عمل على الأرض باستقلالية تامة، ولم يتكبّد عناء إخفاء ما قام به، بل برَّره بأنه دفاع عن النفس في مواجهة «الجيوش الجرّارة» للشيخ أحمد الأسير.
ليس سراً أنّ تيار «المستقبل» كان المتضرر الأكبر من أحداث عبرا. الضرر لم ينحصر بما أقدم عليه الأسير من مغامرة التسلح وقطع الطرق، أو بارتداد نتائج ما حصل إحباطاً متزايداً داخل الطائفة السنّية، بل امتدَّ ليرسخ معادلة رفضها التيار منذ السابع من أيار، وهي معادلة الطائفة المستهدَفة والخائفة من الجيش، وهذا شكّل أخطر النتائج لحسم ظاهرة الأسير.
من هنا، لم يكن مستغرباً وعلى رغم الكلفة السياسية العالية، أن يعلن الرئيس سعد الحريري الموافقة على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي. فهذه الموافقة لم تكن إلّا رسالة حرص على الجيش على رغم الاعتراض على الأداء.
كذلك، لم يكن مستغرباً أن تردّ النائب بهية الحريري في لقاء الأمس فوراً على كلام قيل بحق قائد الجيش، وأن تعيد الأمور إلى سياق المطالبة بمعرفة حقيقة ما حصل على الارض في عبرا من الجيش نفسه، لكن من دون أيّ تعرّض شخصي لأيّ كان أو التعرّض للجيش كمؤسسة، أو التصرّف بما يهدد وحدته، رافضة على رغم كلفة التضحيات، استدراج الطائفة السنّية إلى موقع المواجهة مع المؤسسة العسكرية.
ولم تنسَ الحريري أن تذكر بأنّ الجهد الذي مارسته والسنيورة بعد أحداث صيدا، أعاد وضع ملف التوقيفات وغيرها من الملفات في حجم مقبول، فبعد المعركة تمّ توقيف 300 شخص في صيدا، أما اليوم فهناك 33 موقوفاً سُتحوّل ملفاتهم إلى القضاء.
بعد أحداث صيدا، بدا وكأن تيار «المستقبل» قد دخل في أكثر اختباراته صعوبة، إذ إنّ المعادلة باتت تتلخص في طريقة التوفيق بين الاعتدال، من دون خسارة الشارع الغاضب، وفي إجهاض محاولات متكررة لاختراع مواجهات وهمية وموسمية مع الجيش.
ولعلَّ السنيورة في كلمته أمس أراد الإجابة على هذه المعادلة، فقدم خريطة طريق بأسلوب رصين، إنما بمضمون يعيد تصويب البوصلة في اتجاه المشكلة الأساسية وهي سلاح «حزب الله».
بعد أحداث صيدا وقبلها الكثير من هذا النمط المفتعل من الأفخاخ، فبدا واضحاً أنّ «المستقبل» بدأ يدفع أثماناً باهظة للبقاء على قيد الحياة، كياناً سياسياً مدنياً ومعتدلاً. فمنذ السابع من أيار والظواهر تتوالى في الساحة السنّية، وأكثرها تأثيراً ظاهرة عبرا التي كادت أن تحقق لـ»حزب الله» ما لم يحققه في سعيه المستمرّ إلى ضرب الاعتدال السنّي.
أما اليوم وبعد قراءة متأنية لنتائج ظاهرة عبرا، بات «المستقبل» أمام تحدٍّ من نوع آخر: تحديات هذه المعركة باتت تفرض على قيادة هذا التيار، أن لا ينساق وراء جمهوره الغاضب، على طريقة «ما يطلبه المستمعون». وعلى رغم الكلفة الباهظة للسير عكس ما يريده الشارع في بعض الأحيان، إلّا أنّ الكلفة ستكون أكبر بكثير، إذا سُمح لظاهرة عبرا، أن تكون في المقدمة.