على وقع انفجار بئر العبد الذي هزّ منطقة سكنية وتجارية كانت حتى الأمس القريب "آمنة"، اهتزّ لبنان من أقصاه إلى أقصاه، وتعدّدت علامات الاستفهام عن هوية "يد الغدر" ولكن أيضا عن "الآتي" الذي لم يبدُ "مبشّرا" بأيّ شكل من الأشكال..

هو "الارهاب" وقد وصل إلى قلب الضاحية وضرب عمقها في وضح النهار، من خلال انفجار آثم خففت العناية الالهية من خسائره البشرية، فاقتصرت على "رسالة" حرص المعنيون بها إلى تأكيد "وصولها"، وإن أوحى كلّ شيء أنها لن تعدّل شيئا في الموازين ولن تغيّر في المعادلات..

ضرب "الارهاب" في قلب "الضاحية"، ومعه عاد السياسيون لممارسة "هوايتهم المفضّلة"، ففرغت الساحة لـ"استنكاراتهم" و"استهجاناتهم"، وامتلأت الصفحات الاخبارية بـ"بياناتهم الوردية"، بيانات تركّز على "التلاقي" و"الوحدة" وغيرها بعيدا عن "الحقن" الذي لم يتسبّب به "الأشباح" بطبيعة الحال..

وأبعد من إحصاء الخسائر والاستنكارات، كانت "المخاوف" الاشدّ من أن يكون ما حصل بداية "مسلسل" سبق حتى مسلسلات شهر رمضان المبارك، الأمر الذي ينبئ بمرحلة صعبة وخطيرة ما لم يتدارك السياسيون الأمر سريعا..

.. وعاد "مسلسل" الانفجارات!

كان كلّ شيء هادئا في العاصمة​ بيروت​ تزامنا مع بدء شهر رمضان المبارك، وكان أهالي الضاحية الجنوبية لبيروت يعدّون للشهر الفضيل، حين قرّر أحد ما في مكان ما أن يستفيد من وضع البلاد المنقسمة على نفسها لـ"يضرب ضربته"، دون أيّ حسيب أو رقيب..

ففي ما وُصيف بأنّه ربما "الخرق الأهم" من نوعه في منطقة كانت تعتبر من أكثر المناطق "أمانا" في لبنان، هزّ انفجار منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت قبيل الساعة الحادية عشرة صباحا، وقد وقع في مرأب للسيارات خلف مركز التعاون الاسلامي، وهي منطقة تعجّ بالناس عادة في مثل هذا التوقيت، إلا أنّ العناية الالهية ساهمت في التخفيف من الخسائر البشرية، إذ اقتصرت الحصيلة على نحو 54 جريحا، إصاباتهم بسيطة بمجملها، إضافة إلى أضرار مادية فادية لحقت بالسيارات وبالمباني المحيطة التي تناثر زجاجها.

وعلى جري العادة، كانت "الاستنكارات" سيّدة الموقف من السياسيين الذين "استعرضوا" قدراتهم "الخطابية" في الادانة والاستهجان بل رفعوا شعارات "الوحدة" و"التلاقي" وهي الشعارات التي يعمل هؤلاء أنفسهم ليلا نهارا على منع ترجمتها على الأرض عمليا، في حين لفت أنّ "حزب الله" حرص على لسان النائب علي عمار على الحديث سريعا عن "بصمات إسرائيلية واضحة" في الاعتداء الارهابي، فيما كانت "بيئته الحاضنة" تصرّ على إيصال "الرسالة" لمن يعنيهم الأمر بأنّ "هدفهم" لم ولن يتحقق بثني هذا الجمهور عن "ثوابته"، مهما كان الثمن.

هجوم أو قبلات على شربل؟

وفي عزّ موجة "الادانات" و"الاستنكارات"، اتّجهت الأنظار لـ"الهجوم" الذي تعرّض له وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال ​مروان شربل​ أثناء "زيارته التضامنية" للمنطقة، حيث تمّ "تطويق" موكبه من قبل حشود غاضبة ما اضطره للجوء لأحد المباني، لتسود حالة "هرج ومرج" قبل أن يخرج في وقت لاحق من أحد المخارج. على أنّ "اللافت" في الموضوع أنّ شربل نفسه سعى للتقليل من شأن الحادث، رافضا "تكبيره"، قبل أن "يوضح" مكتبه الاعلامي أنّ ما حصل سببه "حادث فردي" وقع بين بعض الموتورين وعناصر تابعة لسرية وزارة الداخلية والبلديات المولجة حماية الوزير تخلله إطلاق عيارات نارية مما أجبر هؤلاء على الإلتفاف حول الوزير شربل خوفا على سلامته، علما أنّ شربل نفى تعرضه لاعتداء، وقال لصحيفة "النهار" أنّ الجميع استقبلوه بالقبلات.

ووسط ذلك، بقيت "المخاوف" سيّدة الموقف، وقد عبّر رئيس المجلس النيابي نبيه بري بوضوح وهو الذي أعرب عن خشيته من أن يكون الانفجار "بداية مسلسل"، علما أنه حرص على القول أنّ انفجار الضاحية يستوجب الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية باتت ملحّة أكثر من أي وقت مضى.

وعلى الصعيد السياسي، عاد "الزخم" إلى الملف الحكومي وسط حديث عن "مهلة أخيرة" سيستفدها رئيس الحكومة المكلف تمام سلام قبل حسم خياراته، في وقت لفت ما أعلنه بري عن أنه أبلغ سلام أن حركة "أمل" و"حزب الله" سيفاوضانه على الحصة الشيعية في الحكومة، بشكل منفصل عن رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون، مع ما يحمله ذلك من معانٍ ودلالات.

كلمة أخيرة..

بالأمس، لم يتردّد البعض في "الاشادة" بما أسماه "حكمة" و"وعي" القيادات السياسية في التعاطي مع انفجار بئر العبد..

هكذا، بات هؤلاء السياسيون "نموذجا يحتذى" بالنسبة للبعض، فهم، على اختلاف أطياف وتنوّع انتماءاتهم، دانوا واستنكروا الانفجار بل دعوا للتلاقي والوحدة..

هي صورة مجتزأة وغير مكتملة للواقع بطبيعة الحال، صورة تخفي "حقيقة" أن هؤلاء السياسيين "العقلاء" و"الحكماء" هم في جزء كبير منهم "المحرّضون"، وهم الذين لا ينبّهوا لما ارتكبت أيديهم إلا "عندما تقع الواقعة"، على أمل أن يأخذوا "العبرة" هذه المرة ولا يطووها مع طيّ صفحة الانفجار..