صورتان طبعتا المشهد الداخلي خلال الساعات القليلة الماضية، صورة "حياة" أعادت الضاحية الجنوبية تظهيرها في اليوم التالي للانفجار الارهابي الذي استهدفها، فاستعادت "الزخم" سريعا و"استنفرت" للتصدّي لكل المشاريع "المشبوهة" التي تريد النيل من الوطن، كلّ الوطن..
وفي مقابل هذه الصورة "التفاؤلية"، كانت صورة من نوع آخر تتصدّر الاهتمام على الصعيد السياسي، صورة "موت" أظهرها ما بدا وكأنه نعي قوى "8 آذار" لنفسها بنفسها، وهو ما بدا جليا من خلال المواقف الصادرة عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري و"حليف حليفه" (سابقا) رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون.
صورتان قد تبدوان متناقضتين بشكل أو بآخر، إلا أنهم "نسخة منقحة" عن البلد الذي بات "تلاقي الأضداد" يتحكّم به، وبات المواطن فيه يستيقظ على شيء وينام على شيء آخر تماما، ولا أحد يعلم ما الذي ينتظره في بلد بات مفتوحا على كل الاحتمالات، بين هزات أمنية هنا وارتدادات سياسية هناك..
لا موقوفين و"العملية ماشية"..
أسدلت الضاحية الجنوبية الستار عن انفجار بئر العبد وبدأت بلملمة أضرارها فيما سُجّل "استنفار" من المستوى الأول، "تحسّبا" ربما لـ"مسلسل" قيل أنه قد ينافس المسلسلات الرمضانية في احتلال الصدارة خلال الشهر الفضيل، علما أنه لن يكون سوى جزءا آخر من مسلسل "الفتنة" المتنقل..
وفي وقت لفت البيان الصادر عما يسمى "اللواء 313 مهام خاصة" من تبنٍ للمسؤولية عن التفجير، وهي مجموعة مقاتلة ضدّ النظام السوري تعرّف عن نفسها على أنها "تشكيل عسكري مستقل يقاتل في سوريا"، لم تبرز تطورات "جدية" في مسار التحقيقات، علما أنّ وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل نفى أن "تكون الأجهزة الأمنية قد أوقفت أيّ شخص أو أنها تسلّمت من "حزب الله" أي موقوف لديه في تفجير بئر العبد، في انتظار التحقيقات التي باتت جميعها محصورة بالقضاء اللبناني"، لافتا إلى أنّ النيابة العامة العسكرية أصدرت استنابات قضائية، و"العملية ماشية" كما في كلّ تحقيق يلي مثل هذه العمليات المعقدة.
وفي سياق متصل، برز ما ذكرته صحيفة "الأخبار" عن أنّ "الاوساط الأمنية والسياسية تداولت خلال اليومين الماضيين معلومات شديدة الخطورة سبق أن زوّدت بها الاستخبارات الأميركية الأجهزة الأمنية اللبنانية بشأن نقل جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة كمية ضخمة من المتفجرات لاستخدامها في لبنان". ووفقا للصحيفة، فإنّ مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أرسل تقارير إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية الأسبوع الماضي أبلغها فيها أنّ مجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة جهزت عبوتين ناسفتين ضخمتين يصل وزن كل واحدة منهما إلى 7 أطنان من المتفجرات، وأعدتهما للتفجير بعد وضعهمما في شاحنتين كبيرتين، على أن تستهدفا مبان في الضاحية الجنوبية لبيروت، كما تشري المعلومات إلى أنّ مجموعة مرتبطة بـ"القاعدة" أيضا أدخلت إلى لبنان نحو 2000 كيلوغرام من المتفجرات لاستخدامها في هجمات ضد الجيش اللبناني وحزب الله وعدد من الدبلوماسيين.
هل وقع "الطلاق"؟
ومن الأمن إلى السياسة، التي انهمكت خلال الساعات الماضية بقراءة "أبعاد" حديث رئيس المجلس النيابي نبيه بري الأخير الذي كرّس فيه ما كان يُحكى في الكواليس عن "طلاق غير معلن" بينه و"حزب الله" من جهة ورئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون من جهة ثانية، وإن حرص الجانبان خلال الساعات الماضية على تأكيد استمرار "التحالف الاستراتيجي" وعلى أنّ "الجرّة لم تنكسر" لغاية تاريخه.
وفي وقت نقل النواب عن بري بعد لقاء الأربعاء تأكيده على وجوب الإسراع في تشكيل الحكومة في ظل ما تشهده البلاد من ظروف دقيقة وخطيرة، مشيراً الى أنه سهّل ويسهّل عملية التأليف لولادة الحكومة الجديدة في أقرب وقت، أوضح القيادي في "التيار الوطني الحر" الوزير السابق ماريو عون لـ"النشرة" أنّ هناك نوعا من "عدم التفاهم" بين قوى "8 آذار" حول ملفات متعددة من ضمنها الملف الحكومي، مؤكدا في الوقت عينه أن العلاقة مع بري تبقى جيدة "ونسعى لتكون ممتازة"، لافتا إلى أنّ دعم "التيار" للمقاومة "لن يتزحزح".
وأبعد من ذلك، كثر الحديث خلال الساعات الماضية عن انعكاس التطورات داخل "8 آذار" على عملية تأليف الحكومة خصوصا في ظل ما كان يُحكى عن تمسّك هذه القوى بـ"الثلث المعطل" وهو ما كان رئيس الحكومة المكلف تمام سلام يرفضه بشكل قاطع، علما أنّ أوساط الأخير أكدت أنه تلقى بإيجابية ما طرحه بري، لافتة إلى أنه "ينتظر ترجمة هذا التطور الايجابي في عملية تأليف الحكومة بما يتلاءم والثوابت التي سبق لسلام أن طرحها وهي تأليف حكومة سياسية من 24 وزيرا لا ثلث معطلا فيها لأي فريق وتوزع الحقائب على أساس المداورة".
كلمة أخيرة..
لم يفعل انفجار بئر العبد فعله، ولم يعدّل شيئا في الصورة العامة للأسف الشديد..
هكذا، لم يأخذ السياسيون "العبرة" من الانفجار، ولم يعكسوا "حكمتهم" إلا باستنكار الانفجار وإدانته لا أكثر ولا أقل، لتبقى المواقف على "تباعدها"، حتى أنّ الاتهامات "المسيّسة" وجدت سبيلها لتبصر النور..
لم يأخذ السياسيون "العبرة" فحافظوا على انقسامهم "القاتل"، متناسين أنّ "الوحدة" التي رفعوها كـ"شعار" هي بالفعل "حاجة وطنية" في زمن تبدو معه كل الاحتمالات واردة، من السيء إلى الأسوأ!